«هل في وسعي أن أختار أحلامي، لئلا أحلم بما لا يتحقق»، محمود درويش.
كل منا يؤمن بأنه إنسان فريد، بصمة عينه أو إبهامه، منطقه وشكله، أصوله ومنابته، جاهه وماله، وغالبًا هو كذلك، ولكننا كبشر نشترك في أشياء كثيرة كالهواء والماء والكلأ والموت، وكذلك الأحلام، والتي ستكون محور موضوعنا.
جميعنا تشاركنا نفس الحلم، سنذهب للجامعة، غالبًا سنتعلق بشخص، سيكون فارس أحلامنا أو فتاة أحلامنا، سنتزوج وننشئ عائلة، سنحصل على الوظيفة التي نحبها، سننجح في عملنا ونحقق دخلًا يكفي لشراء سيارة وشقة، سيكون لنا أطفالٌ، نتخيل شكلهم ولعبهم وغرفة نومهم، قد نأخذ الأولاد في رحلة.
ثم نحلم بأننا قد تقدمنا بالعمر، نرى الأولاد يكبرون وسنشاهد أنفسنا من خلالهم، سنلعب مع أطفالهم بعد أن تقاعدنا من وظيفتنا، سنستمتع بتقاعدنا، سنصلي الفجر حاضرًا في المسجد ثم سنمشي مع الأصدقاء في الحواري والأزقة.
قد تحلم بمساعدة والدك في قطف الزيتون، وستمشي في أرضه التي أصبحت أرضك، وستوبخ الأولاد لأنهم أهملوا أرض الأجداد!
أما أنا فأحلم بكتابة رواية لا يقرؤها سواي.
نستيقظ لنرى أن أرض الآباء قد بيعت، وأن الزيتون قد «مات على أمه»، وأننا أثقلنا في الديون، لم نشتر تلك الشقة، وإنما الإيجار مكسور لأشهر كثيرة ومهددون بقطع الكهرباء والمياه لتخلفنا عن السداد، والأولاد عاطلون عن العمل.
أحلامنا قد ماتت هذا العام!
طردنا أحلامنا، واستيقظنا على واقع صعب، شربنا فنجان قهوتنا المر بعد أن مسحنا عنه غبار الماضي الجميل ومن أعيننا مسحنا قذى أحلام ميتة، وأيقنا أن أيامنا القادمة صعبة، فالاقتصاد راكد والأرض تئن ولم نهزم المرض بعد ولا وظائف، واليهود قد أخذوا كل شيء والعرب قد أعطوا كل شيء.
ومع هذا فهنالك ما هو أسوأ.
نبحث عن مصادر أخرى لإطعام أولادنا، قد تصل بنا إلى الموت تحت الأنقاض أثناء بحثنا عن الدفائن، أو نغرق في البحر، أو التجمد على حدود بيلاروسيا، أو قد نقوم بعمل مجنون؛ كأن نستعين بشيخ مغربي نصاب لفك الحرز، أو قد نسوق آثارًا مزورة.
نصحت أولادي... لا تتزوجوا.
في هذا العام توقفت أحلامنا، أصبحنا كالفيلة حين تشعر بدنو أجلها فتذهب إلى مكان محدد لتموت فيه، فكل منا قد رسم مقبرته الخاصة لأحلامه، فهناك تموت أحلامنا بسلام.
تخلينا عن أحلامنا، أما هي فترفض أن تخرج من رؤوسنا، تعود إلينا، قد تبقينا مستيقظين فتسرق النوم من أعيننا، قد تكذب علينا وتهمس لنا بأن كل شيء سيكون على ما يرام.
عليك أن تقتلها.
وفي هذا الطريق الصعب الطويل، سيخرج من يرسمون مستقبلًا مشرقًا أو واقعًا كاذبًا، وسيحثنا أرباب عملنا لنبذل جهدًا أكبر بانتظار مكافأة لن تأتي، وستقول لنا الإعلانات ماذا نشتري.
نصيحتي لا تحلم، وسر بثبات إلى مقبرة الفيلة، واصرخ؛ كيف بربكم طلب شيء من إنسان قد قُتلتْ أحلامه؟