أخر الأخبار
وقفة الخجل !
وقفة الخجل !

بعضنا يظن وبعض الظن اثم ان المعروف قد يضيع،وعلى هذا تأمل النوايا،فالمعروف لله لا يضيع،والمعروف للشهرة او للسطوة على الاخرين،بالتأكيد سيضيع،فالسر في النية.
يحكى ان شاباً ثرياً جداً كان يعيش في كنف والده الثري،ويتنعم بأمواله،وقد رحل والده بغتة،بعد ان خسر الاب كل امواله،فانقلبت حياة الشاب الثري من نعيم الى جحيم.
صار رث الثياب يتسول رغيف خبزه،وفي ذاكرته اسماء كثيرة لأناس احسن اليهم خلال حياته،فأكرمهم بالمال،او سترهم بالاحسان،من اصدقاء وفقراء وايتام.
ذات يوم قرر الشاب ان يبحث عن صديق عزيز،كان قد احسن اليه مرارا،وقد تناهى الى مسمعه ان الصديق،الذي كان معدما،انقلبت احواله،وبات ثريا،وقرر الذهاب اليه في منطقة مجاورة،لعله يجد له عملا،او يساعده ماليا.
هو لا يريد سداد المعروف السابق،لكنه شعر بأنس اذ قرر الذهاب لصديق،كان قد احسن اليه ذات يوم،لعل بين يديه فرج.
وصل قصر الصديق.طرق البوابات.خرج الخدم والحشم.طلب منهم ان يرى صاحب القصر،وقال لهم انه يعرفه،وذكر اسمه.ذهب الخدم الى صاحب القصر،وابلغوه،فأطل من وراء ستار عبر شرفة قصره،فرأى شابا معدما رثا،في اسوأ احواله،فقال للخدم:قولوا له انني لست هنا،وخارج القصر،فلا اريد رؤيته ابداً!.
غادر صاحبنا،وهو حزين جدا،فقد تلقى اهانة للتو،ممن فعل له الف معروف ذات يوم،وفي طريقه من قرية الى اخرى،فوجئ بثلاثة فرسان،يتقدمون اليه،ويسألونه عن اسم رجل معين،فقال صاحبنا: هذا هو ابي وقد رحل منذ زمن بعيد؟!.
تألم الفرسان الثلاثة لرحيل والده،وقالوا له انها صدفة عظيمة ان نقابلك كونك ابنه،اذ معنا امانة من مرجان،كان قد اودعها معنا،وقد تمت المتاجرة بها فزادت وربحت،وها هي بين يديك،لانها امانة نردها اليك بدلا عن والدك الراحل.
صعق الشاب لهذا الفرج من حيث لا يحتسب،فأخذ المرجان وغادر شاكرا،لكنه كان يسأل من سيشتري هذا المرجان في هذا الزمن الصعب؟!.
من قرية الى اخرى، ما بين صحو ونوم،حتى اقترب من قريته،فإذا بسيدة ومعها مرافق يحرسها،تسأله فجأة عما اذا كان يعرف احدا في قريته يبيع المرجان لرغبتها بالشراء،فتشهد صاحبنا،وعرض المرجان الذي بين يديه،وقبض مبلغا ماليا كبيرا،اعاد له حال اليسر والرخاء.
مرت الايام،وتذكر صديقه الذي خذله ورده من باب القصر،فكتب له بيتين من الشعر لائما وناقدا وارسلهما مع مرسال من طرفه وقال له فيهما:
صحبت قوماً لئاماً لا وفاء لهم    يدعون بين الورى بالمكر والحيل
كانوا يجلونني مذ كنت رب غنى    
وحين أفلست عدوني من الجهل.
تسلم صاحب القصر الرسالة ورد عليها مع ذات المرسال بأبيات شعر قائلا لصديقه القديم الذي يلومه هنا :
اما الثلاثة قد وافوك من قبلي    ولم تكن الا سبباً من الحيل
اما من ابتاعت المرجان والدتي    وانت انت اخي بل منتهى الامل
وما طردناك من بخل ومن قلل    لكن عليك خشينا وقفة الخجل.
قصة جميلة تقول لكل الناس،ان المعروف لا يضيع، ولو بعد حين، فاذا ضاع عند البشر، فلا يضيع عند رب البشر، واذا لم تر نتيجته في الدنيا، فقد يكون الله قد ادخر لك بركته للاخرة، هذا فوق انك لا تعرف ما اذا كان المعروف قد تم رده عليه اساسا بصحة او ستر،او عفو وصبر وغفران؟!.
ثم ان المعروف في سره اكرام من الله،للذي يفعله،فقد اجرى المعروف على يديه،وعليه هنا ان يتذكر ان جريان المعروف عبر يديه،لا يعني انه صاحب المعروف، لان المعروف في سره ارادة الهية بالخير، فان لم يجر على يديك، جرى على يدي غيرك.
ليس اسوأ ممن يمنع المعروف،الا الذي يفعله ويمن به على الناس.