إذا لم يكن وراء إنهيار المدن العراقية وسقوطها بدون أي مقاومة تُذْكر وإنهيار الجيش العراقي أيضاً وتسليم الموصل وتكريت لـ»داعش» ،تسليم اليد، لعبة سياسية لإعلان حالة الطوارئ كي تَسْلَم حكومة نوري المالكي من إستحقاقات أطاحتها أو مؤامرة كبيرة لتقسيم العراق على أساس طائفي وأساسٍ قومي كي تصبح هناك دولة شيعية في الجنوب ودولة سنية في الغرب والشمال الغربي ودولة كردية في الشمال.. وهذه مسألة لا يمكن اسبتعادها في ضوء ما بقينا نراه ونسمعه خلال الأعوام التسعة الماضية.
إنه لا يمكن تصديق أنَّ «داعش» قادرة وبهذه السرعة على إحتلال «نينوى» والموصل وتكريت وتطويق سامراء وكركوك بهذه السرعة وأنه لا يمكن تصديق أنَّ كبار ضباط فرقتين عسكريتين قد توافقوا على الإنسحاب الكيفي من هذه المدن الرئيسية وترك أسلحتهم ومعداتهم العسكرية للمهاجمين والإنسحاب إنسحاباً كيفياً بدون إطلاق ولا رصاصة واحدة.
ولذلك فإنَّ أغلب الظن أن «داعش» هذه بالنسبة لهذا التطور «الدراماتيكي» وسقوط المدن العراقية سقوطاً «كرتونياً» هي مجرد إسمٍ لشبح غير موجود مثله مثل ذلك المجرم «راجح» في مسرحية فيروز الغنائية :»بياع الخواتم» ولعل السر هنا يكمن في الأعوام التسعة الماضية التي شهدت تهميشاً منهجياً لـ»السنة» العرب وقفت وراءه إيران ونفَّذته المعادلة الجديدة على أساس أنَّ هؤلاء كلهم صدام حسين وأنهم أقلية وأنه لابد من تجريدهم من أدوار سابقة كانوا لعبوها منذ الفتح الإسلامي للعراق في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 636 وحتى سقوط نظام حزب البعث في عام 2003.
لقد لجأ «المنتصرون» الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأميركية والذين تصرفوا ،كلهم وبدون إستثناء، كمُقلِّدين للوليِّ الفقيه وكأتباع لحراس الثورة الإيرانية ،فيلق القدس تحديداً، إلى عمليات إنتقام ثأرية تاريخية من العرب «السنة» بدعوى أنهم عملاء لـ»صدام حسين» وأعضاء في حزب البعث أو مناصرين له وكل هذا مع أنهم يعرفون كما يعرف الأميركيون أن «الشيعة» كانوا يشكلون نسبة ستة وسبعين في المائة في هذا الحزب وحقيقة أن الأبشع في هذه العمليات الثأرية قد استهدفت الجيش العراقي كله حيث تم حلُّه وتشتيته واستهدف ضباطه الكبار والصغار من «السُّنة» و»شنَّعت» بهم ولاحقت بالإغتيالات الطيارين العسكريين منهم وبخاصة الذين عُرفوا بالقيام بعمليات قصفٍ نوعية على أهداف إيرانية خلال حرب الثمانية أعوام العراقية-الإيرانية.
ولذلك فإنه غير مستبعد بل هو مؤكدُ أن العرب «السنة» أصبحوا على استعداد بعد أكثر من عشرة أعوام من استهدافهم و»التبشيع» بهم وممارسة سياسة «إقصائية» وتحقيرية ضدهم لرفع رايات «داعش» وغير «داعش» للإنتصار لكرامتهم.. وهنا فإنه لا غرابة في أن هناك من يقول أنَّ حزب البعث (العراقي) قد تمكن من لملمة أوضاعه ،مستفيداً من السياسة البائسة التي مورست منذ عام 2003 ضد هذه الفئة من أبناء الشعب العراقي، وأنشأ تشكيلات عسكرية فعلية من الضباط والجنود السابقين من بعثيين وغير بعثيين وبقيادة عزة إبراهيم الدوري الذي هو ،كما يقال، أحد كبار رموز الطريقة «النقشبندية».
ولعل ما يعزز الرأي القائل أنَّ ما جرى هو في حقيقة الأمر تمرد «سُنيٌّ» قاده ضباط من الجيش العراقي السابق الذي جرى تشتيته وتدميره والإنتقام منه شاركت فيه «داعش» وشاركت فيه الطريقة «النقشبندية» وشارك فيه البعثيون الذين استطاعوا لملمة شملهم.. هو أن هؤلاء لم يمارسوا أي تشدد ديني على سكان المدن التي احتلوها وهو أيضاً أنهم طلبوا من البلديات والمؤسسات الإجتماعية الإستمرار بمزاولة أعمالها كالسابق وبصورة طبيعية وهو أنهم عينوا محافظاً ضابطاً يحمل رتبة لواء في القوات العراقية السابقة.
ثم وأنه لا يمكن أيضاً تصديق أنَّ «داعش» المتشددة والمتطرفة استطاعت إستقطاب كل هذه الأعداد من ضباط الجيش العراقي الذين من المفترض أنهم علمانيون نتيجة انتسابهم كلهم وبدون إستثناء لحزب البعث الذي حكم في العراق في وصلته الأخيرة منذ عام 1968 وحتى إنهياره في عام 2003 والذين لا تزال غالبيتهم مرتبطة بـ»البعث» وبأمينه العام عزة إبراهيم الدوري ولهذا فإنه من الممكن أن يكون هؤلاء قد تحالفوا مع هذه الـ»داعش» تحالفاً مرحلياً وعلى أساس :»عدوُّ عدوي صديقي» وأن هذا ينطبق أيضاً على «سنة» العراق بغالبيتهم.