لا أريد الوقوف طويلاً عند ما تمّ طرحه من مقترحات ساذجة للحدّ من حالات الانتحار من فوق جسر عبدون في عمان. مثل نصب شبكة متينة، كالتي تُنصب للاعبي السيرك؛ كي تحميهم في حالة السقوط عن حبالهم العالية. أو مقترح تثبيت دورية شرطة تمنع الاقتراب من تلك النقطة بعد أن غدت هدفا لمن يريد أن ينهي حياته.
ما أود الوقوف عنده أن الجسور التي شيّدت لوصل الحياة وتخصيبها بالحركة والنماء والتغلب على صعاب الطريق، تصبح وتمسي منصة لمن يريدون قطع حياتهم، وبث العقم في أوصال أرواحنا. وما يؤلم أكثر، أن تعج مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات وصور لأولئك المنتحرين، نتبادلها كما يتبادل العشاق باقات الورود، وهمسات الأغنيات.
لماذا كل هذه الاحتفاء بالموت والانتحار. لماذا نتسابق إلى مشاهدته بشغف، وكأنه حياة عامرة بالجمال والبهاء؟. لماذا نسمح لأنفسنا بتكريس هذه السلبية القاتلة، وهذا الإحباط المقيت في أنفس الناس ومساراتهم. لماذا راجت المتجارة بالموت وصوره، حتى صرنا نلهث وراء إعجابات لا قيمة لها في موازين الخير والجمال؟ لماذا لا نجعل هواتفنا مقبرة لكل منشور ينافي قيم الحياة والأخلاق والجمال.
أول أمس انتحر شاب سوري عن هذا الجسر. المشهد كان مؤلما مخيفا، ومع هذا انتشر كالنار في الهشيم عبر هواتفنا وحواسيبنا، مع أنه من المعروف للجميع، أن تبادل ونشر مثل هذه الفيديوهات يعدُّ عملاً غير أخلاقي في شتى القوانين والأعراف. هذا فضلا عن أنه لا يحترم خصوصية الناس، ولا يقدر مشاعرهم. فماذا عن أهل هؤلاء المنتحرين؟ ألم نحسب حساب الألم المنفجر في أرواحهم حينما تصلهم منشوراتنا؟.
بعد كل حالة انتحار أرى أننا نحتاج في هذا الزمن المر المعلقم، وبموازاة الحث على الصبر أن نعلي من شأن الحياة، ونعمق فهمنا لمعانيها، ونغرس في أبنائنا وطلابنا حبها وسعينا لها. نحتاج إلى الترويج أن السعادة في الطريق، وليست في الوصول. نحتاج أن نبث فينا أننا سنواجه مصاعب علينا أن نتمتع بدحرها. نريد أن نغرس في من حولنا روح التحدي والصمود.
الأهم من كل ذلك، أن نشيع ثقافة أن جماليات الحياة ليست دوماً في الأشياء الكبيرة، ولا في تحقيق عظائم الأحلام. وأن السعادة في أشياء صغيرة، كقراءة وردة شقت إسفلت الشارع، وشجرة فتتت جلموداً. السعادة قد تكون في التكحل بلون الشفق بعد الغروب، أو بتلمس ندى العشب في وجه الصبح.