الافتراض الذي يقول ان اختطاف الثلاث شبان من المستوطنين هو عبارة عن مسرحية اخترعتها اسرائيل وانه في حقيقة الامر لا يوجد مختطفين اصلا ، و كل ما يحدث هو مجرد ذريعه لكي تستخدمها لتبرير ما تقوم به من اجراءات بحق الفلسطينيين، وخاصة ضد حركة حماس التي اتهمتها مباشرة في الوقوف خلف هذا الامر هو افتراض ليس فقط يعبر عن عدم معرفه بطبيعة النظام السياسي الاسرائيلي و آلية اتخاذ القرارت هناك ، بل هو يعبر عن انعزال عن الواقع الفلسطيني ايضا. لا اعرف ما الذي سيقوله اصحاب هذة النظرية اذا ما تم العثور على المخطوفين سواء كانوا احياء ام اموات ، و اعتقال او تصفية من نفذ هذة العملية سواء اثناء عملية تخليص المخطوفين او خلال مطاردتهم.
وفقا لمعرفتي المتواضعه لا تستطيع اي جهة في اسرائيل ، سواء كانت امنية او سياسية ان تتحمل مسؤولية مثل هكذا مسرحية مفترضة. لديهم هناك سلطة قضائية قادرة ان تدخل رئيس دولة و رئيس وزراء للمعتقل و لديهم برلمان فاعل و صحافة غير مقيدة تراقب كل سلوك وكل قرار. لديهم فصل حقيقي للسلطات في كل ما يتعلق بحياتهم و حياة مواطنيهم. هذة المسرحيات يمكن ان تحدث في الانظمة السياسية الديكتاتورية التي يتحكم فيها الدكتاتور بكل السلطات و التي تسطيع الاجهزة الامنية التابعه له ان تتصرف كما تشاء دون رقابة او مسائلة. صحيح اسرائيل دولة احتلال و دولة تمييز عنصري في كل ما يتعلق بنا كفلسطينيين ، لكنها دولة ديموقراطية في كل ما يتعلق بشعبها و نظامها السياسي لا يعطي مجال لمثل هكذا مسرحيات.
قد يكون اكثر منطقية القول ان ما تنفذه قوات الاحتلال و اجهزته الامنية من اجراءات و التي وصلت ذروتها اليوم من خلال اعادة اعتقال العشرات من محرري صفقة شاليط و الذي سبقة اعادة اعتقال غالبية القيادة السياسة لحماس و اعضاء المجلس التشريعي هي اكثر بكثير من اعادة الثلاث شبان من المستوطنين، و ان ما يحدث هو استثمار لحدث امني كان متوقع حدوثه في كل لحظة، حيث وفقا لكل التقديرات كان حدوثه مسألة وقت فقط ، و بالتالي كل ما يتم اتخاذة من اجراءات و ما ستنفذة اسرائيل في المستقبل هو ترجمة لقرارات تم اتخاذها مسبقا و التي في غالبيتها تلبي رغبة اليمين و اليمين المتطرف في اسرائيل اضافه الى كونها اجراءات تهدف الى اجبار الخاطفين والجهة التي يدعون انها تقف خلفهم للوصول الى استنتاج ان استمرار الاحتفاظ بهم هو امر مكلف جدا لن يكونوا قادرين على تحمل تبعاته، وان اعادتهم احياء قد يخفف من هذة الاجراءات.
اسرائيل في صراع مع الزمن، حيث تعلم اجهزتها الامنية ووفقا للتجارب السابقة انه كلما مر الوقت كلما تقلصت امكانية ان يتم اعادتهم احياء ، اضافة الى عامل اضافي هو ان حلول شهر رمضان سيكون نهاية هذا اشهر . هذا لا يعني ان الاجراءات الاسرائيلية ستتوقف في رمضان، ولكن ونظرا لحساسية هذا الشهر من الناحية الامنية تفضل اسرائيل انجاز كل ما يجب انجازة خلال الاسبوعين القادمين، و لكن بالتأكيد اذا ما لزم الامر لن يمنعهم الشهر الفضيل من ذلك.
الاجراءات التي تتخذها اسرائيل تهدف الى تحقيق الاهداف التالية:
اولا: الوصول باسرع وقت الى المخطوفين ، كلما طال الوقت كلما تقلصت امكانية الوصول لهم احياء، من اجل تحقيق هذا الامر تفعل ما تفعله من استباحه لكل المحرمات . نجاح هذة الاجراءات له عنوان واحد هو الوصول الى المخطوفين و اعادتهم احياء، اي سيناريو آخر عنوانه واحد ، وهو الفشل.
ثانيا: منذ اليوم الاول اعتبرت اسرائيل ان حركة حماس هي من تقف خلف هذة العملية، لا يستطيع احد ان يثق بهذا الادعاء، من وجهة النظر الاسرائيلية عدم اعتراف حماس بالمسؤولية لا يعني ان ليس لها علاقة على الرغم من صدور بيانات تتبنى هذة العملية اسرائيل لا تثق بمصداقيتها. لذلك تركز اسرائيل كل اجراءاتها ضد حماس وقياداتها ، هذة الاجراءات ستتواصل في الايام القادمة بما في ذلك قد تنفذ تهديدها بأبعاد العديد من كوادرها الى غزة . الهدف هو ايصال رسالة ان ثمن الاختطاف هو غالي جدا و ان من الافضل ان يتم اطلاق سراح المخطوفين اولا و ثانيا وهو الاهم لكي لا يتم التفكير في المستقبل بمثل هكذا سلوك.
ثالثا: الامر لا يقتصر فقط على خطوات لاعادة المخطوفين بل ايضا هو فرصة للقضاء على البنية التحتية لحماس في الضفة الغربية، لذلك ، لا تقتصر الاجراءات فقط على محافظة الخليل بل شملت كل محافظات الضفة.
رابعا: الاجراءات الاسرائيلية لا تقتصر فقط على حماس ، بل شملت ايضا الجهاد الاسلامي و حركة فتح حيث اقتحموا مخيم بلاطة و داهموا منزل النائب عن حركة فتح جمال الطيراوي و اعتقلوا جزء من اقاربه. هي فرصة بالنسبة لهم للوصول الى كل الاماكن التي كانت تتجنب دخولها في الظروف العادية.
خامسا: غزة ليست بعيدة عن الحسابات الاسرائيلية، سواء من منطلق ان ثمن الاختطاف يجب ان تدفعه ايضا قيادات حماس في غزة او من منطلق ان غزة لن تقف مكتوفة الايدي في ظل استمرار الاجراءات الاسرائيلية في الضفة، هذا يعني ان الانفجار في غزة قد يكون مسألة وقت فقط.
ولان اسرائيل تعرف كيف تستغل مثل هكذا احداث ليس فقط من الناحية الامنية بل تسعى الى تحقيق اقصى ما يمكن تحقيقة من الناحية السياسية و الاستراتيجية ، فأن ما سيسعى نتنياهو وحكومته الى تحقيقة او الاستفادة منه هو :
اولا: الابقاء على حالة الانقسام الفلسطيني السياسي و الجغرافي و الاداري من خلال الربط و منذ اللحظة الاولى بين اختفاء الثلاث مستوطنين و بين المصالحة الفلسطينية.
ثانيا : القضاء نهائيا على امكانية استئناف اي عملية سياسية على اساس الانسحاب الاسرائيلي من المناطق المحتلة عام 67 و التهرب من اي استحقاقات سياسية.
ثالثا: القضاء على ما تبقى من جيوب لاتفاقيات اوسلو و الابقاء فقط على التنسيق الامني ( المقدس) حيث لا تريد اسرائيل من السلطة و اجهزتها سوى هذا الامر اضافه الى اعفاء اسرائيل من اي مسؤوليات على السكان الفلسطينيين. السلوك الاسرائيلي خلال السنوات الاخيرة و الذي وصل ذروته الايام الاخيرة يشير على انهم يتصرفون على انه لا يوجد سلطة وطنية فلسطينية ، بل يتصرفون على انه لا توجد حتى سلطة حكم ذاتي. هناك احتلال و ما تبقى تفاصيل غير مهمة.
رابعا: لن يضيع اليمين الاسرائيلي هذة الفرصة دون استثمارها الى اقصى درجة في تعزيز الاستيطان و التسريع من وتيرته اكثر مما هي علية، وربما ستقدم الحكومة الاسرائيلية على خطوات قد تجنبت الاقدام عليها في الماضي . سيسمع الكثير من الحديث عن ضرورة ضم الكتل الاستيطانية و البناء في منطقة E1 التي ستفصل جنوب الضفة عن وسطها و شمالها.