من السابق لأوانه توصيف عملية الخليل بأنها عملية فدائية نفذها فلسطينيون . صحيح أن قطاعا واسعا من الجمهور الفلسطيني وخصوصا ذوي الأسرى والمعتقلين يتمنون أن تكون العملية عملية اختطاف تهدف إلى مبادلة المستوطنين بأسرى فلسطينيين ، ولكن حتى الآن هي عملية فقد أو اختفاء لمستوطنين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، حيث لا يمكن توصيف عمل بأنه اختطاف إلا إذا أعلن المنفذون عن هويتهم وعن مطالبهم . حتى مع ثبوت أنها عملية اختطاف فأن الساحة الفلسطينية مخترقة من جهات متعددة بدءا من الموساد الإسرائيلي إلى القاعدة وحزب الله وبالتالي فالخطف قد يوظَف لخدمة أهداف أجندة غير وطنية، وفي نفس الوقت لا يمكن الجزم بأنها عملية مدبرة من إسرائيل نفسها لإبعاد الأنظار عن مأزقها الدولي والانتقادات وحالات المقاطعة غير المسبوقة وفقدانها للتعاطف الدولي الرسمي والشعبي ، أيضا لإخراج نتنياهو من أزمته الداخلية الحكومية .
بقدر ما نتفهم مشاعر الجمهور الفلسطيني المتعطش لأي عمل يساعد على إطلاق سراح أسرى ويرد على الصلف والتعنت الصهيوني وعلى إغلاق إسرائيل الباب أمام مساعي السلام وفرصة إطلاق سراح أسرى عبر عملية المفاوضات ... بقدر ما نتخوف من استغلال إسرائيل عملية الخليل – إن ثبت أنها عملية خطف من فلسطينيين - لرد يتجاوز الاستهداف الجسدي لمنتسبي وقادة حماس بل ويتجاوز الرد العسكري على مواقع لحركة حماس في قطاع غزة ، يتجاوز كل ذلك بتدفيع الكل الفلسطيني ثمنا سياسيا باهظا من خلال استهداف سلة أهداف سياسية وعلى رأسها إفشال حكومة التكنوقراط وبالتالي إفشال المصالحة المتعثرة أصلا .
علينا أن نستحضر أنه في نفس هذا الشهر من عام 2006 جرت عملية اختطاف الجندي شاليط ، وفي ذاك الوقت كان المشهد السياسي الفلسطيني به شَبَه بالحالة الراهنة حيث كان الرئيس أبو مازن يخوض جدلا ومساع محمومة لوضع حد لحالة الفوضى في مناطق السلطة بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية ، ويعمل لتمكين الحكومة برئاسة حماس من النجاح ومواجهة حالة الحصار والبحث عن أفضل السبل للحفاظ على وحدة الضفة وغزة بعد خروج إسرائيل من القطاع تنفيذا لمخطط استراتيجي لفصل غزة عن القطاع وإفشال فرص قيام دولة في الضفة وغزة . جاءت عملية الخطف الجريئة آنذاك لتخلط الأوراق حيث فرضت إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة واعتقلت وزراء وأعضاء تشريعي وناشطين بالمئات من حماس في الضفة مما أدى لتعطيل عمل المجلس التشريعي وتأزم الحكومة واندلاع مواجهات مسلحة لم تنجح حكومة وحدة وطنية استمرت لثلاثة أشهر من وقف المواجهات مما أدى لانقلاب حماس على السلطة في يونيو 2007 والانقسام الذي نعيش تداعياته المدمرة حتى اليوم ، بالإضافة إلى حربين مدمرتين واجتياح متكرر للقطاع وعمليات اغتيال ،أدى كل ذلك إلى سقوط حوالي ثلاثة آلاف شهيد ، بعد كل هذا الدمار السياسي والمادي تمت عملية تبادل الأسرى .
نعم نخشى أن توظف إسرائيل هذه العملية لتخلط الأوراق من خلال لسعي لتحقيق أهداف سياسية في الضفة أكثر من غزة وضد السلطة أكثر مما هو ضد حركة حماس ، ومنها :-
1- إبعاد الأنظار عن مأزق المفاوضات والعملية السياسية والانتقادات الدولية الواسعة لإسرائيل بسبب ممارساتها الاستيطانية والعنصرية ، والتركيز على الجانب الأمني حيث ستُظهر إسرائيل نفسها بمظهر الضحية .
2- إفشال حكومة التكنوقراط من ممارسة عملها ما بين غزة والضفة وبالتالي إفشال المصالحة المتعثرة أصلا.
3- إظهار السلطة الفلسطينية بمظهر العاجز عن القيام بمسؤولياتها الأمنية ، بالرغم من أن العملية جرت في منطقة (ج) الخاضعة للإشراف الأمني الإسرائيلي .
4- إضعاف السلطة في الضفة وإذلالها وزيادة الشرخ بينها وبين الشعب ، حيث تقف السلطة موقف المتفرج على الإجراءات الإسرائيلية العقابية ضد الفلسطينيين دوت تحريك ساكن .
5- إخراج نتنياهو من أزمته الحكومية، حيث سيجد تأييدا كبيرا لأي عمل يقوم به ضد الفلسطينيين سواء تعلق الأمر بالمفاوضات أو بالقدس أو ضم مناطق من الضفة .
6- كسر حالة التأييد والتعاطف الدولي مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام ، أو على الأقل إبعاد الأنظار عن قضيتهم ومعاناتهم.
7- القيام بإجراءات أمنية وعملياتية في الضفة والقدس ، كتكثيف عمليات الاعتقال ، تشجيع اليهود على فرض أمر واقع في المسجد الأقصى ، تكثيف الاستيطان ، زيادة الحواجز والمناطق الأمنية، مطالبة أجهزة السلطة بمزيد من التنسيق الأمني ، ولا نستبعد قيام إسرائيل بضم بعض المناطق الفلسطينية لها .
8- الإجراءات التي تتخذها إسرائيل في الضفة قد تجر رد فعل من فصائل المقاومة في قطاع غزة ،وهذا ما حدث بالفعل حيث تم إطلاق عدة (صواريخ) من القطاع باتجاه إسرائيل .
9- إذا تصاعدت المواجهة في قطاع غزة ستطرح إسرائيل قضية سلاح المقاومة في قطاع غزة وستحرض واشنطن والغرب على الرئيس أبو مازن والحكومة لفتح ملف الأسلحة عند الفصائل الفلسطينية ، أو تقوم بعمل عسكري محدود في القطاع تفرض بمقتضاه تدخل قوات خارجية في القطاع أو دفع مصر لاتخاذ هكذا خطوة .
10- تسريع إصدار تشريع من الكنيست بمنع إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من خلال المفاوضات أو ضمن عمليات مبادلة أسرى .