أخر الأخبار
حكومة التكنوقراط
حكومة التكنوقراط
كلمة “التكنوقراط تعني الحُكم ، وبالتالي يكون معنى الكلمة الحُكم الفني ؛ أي الذي يرتبط بمجموعة من الأشخاص المتخصصين في مجال ما ، مثل: الاقتصاديين ، والأطباء، والأدباء، وغيرهم، عن طريق تأسيس حكومات يكون وزرائُها من المُختصين ؛ فتسمى حكومة تكنوقراطية أو حكومة الكفاءات .
كما تُعرَّف التكنوقراط أيضاً بأنها : حكم الخبراء غير المنتخبين، أو الأكاديميين اللامعين ، الذين يفترض بهم وضع مصلحة البلاد فوق مصلحة أيٍّ من الجهات السياسية أو المناطقية أو العرقية.
وبذلك يمكن القول أنَّ الحكومة التكنوقراطية هي : شكل من أشكال الحكومات حيث يتم اختيار صانعي القرار لسُدَّة الحكم استناداً إلى خبرتهم التقنية وخلفيتهم . وبذلك تكون الحكومة التكنوقراطية مختلفة عن الحكومة الديمقراطية التقليدية في اختيار الأفراد المنتخبين لدور قيادي من خلال عملية تؤكد على مهاراتهم ذات الصلة وأداءهم المثبت ، في مقابل ما إذا كانوا يملكون مصالح الأغلبية للسكان أم لا . وتستند القرارات التي يتخذها التكنوقراطيون إلى معلومات مستمدة من المنهجية العلمية بدلاً من الرأي العام .
لأنَّ رجال السياسة في ذالك الوقت كانوا لا يُعنَون كثيراً بأمور البحث في الظواهر والتقنيات والإقتصاديات؛ ظهرت بعض الحركات الداعية لتصحيح الوضع، والخروج من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي كانت تعصف بالدول، وما مرت به كبرى الدول من فقر وبطالة وكساد في التجارة والصناعة، خاصة قبيل الحرب العالمية الثانية، واستطاع هاورد سكوت أن يُكسب مفهوم التكنوقراطية قوة شعبية تحولت إلى تيار سياسي أميركي سُمِّيَ حركة التكنوقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية ضمَّت العديد من المهندسين، والصناعيين والمعماريين والإقتصاديين المشتغلين بالعلوم، الذين قاموا بدراسة الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والزراعية والصناعية، ودراسة الظواهر المختلفة الناشئة في المجتمعات ؛ بغية إستخلاص القوانين التي تُستخدم في الحكم على هذه الظواهر وإيجاد الحلول لقياس الظواهر الاجتماعية ، واستنباط القوانين منها بما يصلح للحكم على هذه الظواهر ، فوضعوا أساسات للنظرية التكنوقراطية ، معتمدين على دور الاقتصاديين في إبداء آرائهم حول أسلوب الحُكم في أمريكا . وطبقاً لما جاءوا به، فإنَّه يجب إلغاء دور المال في تحديد نهج الدولة ؛ الأمر الذي يجعل من البلدان والمجتمعات بلداناً مستهلكة، والإستعاضة عنه بالاهتمام بالتطور المستدام النابع من قاعدة الموارد المتوفرة ، بدلاً من الاهتمام بالربحية النقدية ، وذلك لضمان استمرارية تشغيل جميع القطاعات المجتمعية والصناعية إلى أجل غير محدد ، ودون الرجوع إلى الانتخابات الديمقراطية التي يبرز من خلالها أفراداً لايملكون المعرفة أو المهارة المطلوبة لممارسة الحكم .
كما رأوا بضرورة تسليم المهندسين غير السياسيين والعقلانيين السلطة لتوجيه الاقتصاد ليصبح إقتصاداً متوازناً من حيث الإنتاج والاستهلاك ، فالدولة من وجهة نظر التكنوقراطيين باتت تحتاج لحكومة علمية تقنية ، تعمل على البدء بدراسة أوضاع الدولة الاقتصادية والصناعية والزراعية ، وإيجاد حلول سريعة وعلمية لمشكلاتها والأزمات التي تعصف بها .
في النهاية يمكن القول لعلَّ التكنوقراطي السياسي لا يملك الدهاء السياسي أو الكاريزما التي يتوقعها الناس عادة للتأثير على الرأي العام لصالح انتخابه إلى منصب حكومي ، إلا أنَّه مع كم التغييرات التي تطرأ على الأصعدة السياسية والمشاكل التي تواجه حكومات الدول في بعض الأحيان من بطالة وتفشي الفساد وأزمات مالية خانقة وغياب الثقة بالحكومة ، تظهر توجهات سياسية وفكرية جديدة في محاولة لحل المشاكل وضمان وحدة الدولة وإخراجها من الأزمات التي تمر بها. ولعلَّ مفهوم حكومة التكنوقراط من أهم المفاهيم المستحدثة بُغية خلق حكومة مختصة تنهض بالدولة من أزمات ضاقت بها، فكان استخدام مفهوم التكنوقراط ، للإشارة إلى تبني وتطبيق المنهج العلمي في حل المشاكل الاجتماعية المتعلقة برفاهية المواطنين، من خلال اختيار الأفراد الذين يمتازون بالمهارات التقنية والقيادية التخصُصية والأداء الحَسَنْ ؛ لدراسة الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والزراعية والصناعية ، بالإضافة إلى دراسة مجمل الظواهر المختلفة الناشئة في المجتمعات ، بغية إستخلاص قوانين تستخدم في الحكم .