الأهم من مكان عقد مؤتمر حزب جبهة العمل الإسلامي ،الذي كان بالإمكان عقده في مقره أو مقر جماعة الإخوان المسلمين، هو أن يقف هذا الحزب وقفة جدية إزاء كل هذه القضايا الداخلية التي يعيشها الآن وأهمها هذا الإنقسام «زمزم» الذي يهدد وحدته التنظيمية والسياسية ويهدد أيضاً وحدة «الجماعة» التي يبدو أنها لم تدرك بعد أبعاد ما جرى للتنظيم «الأم» في مصر ،التي لا تزال تشكل فرعاً له في الأردن، الذي أصبح يعتبر تنظيماً إرهابياً في أرض الكنانة وفي العديد من الدول العربية.
كنَّا نتوقع بدل أن يتخذ هذا الحزب ،حزب جبهة العمل الإسلامي، وضعية «الضحية» ،كعادة الإخوان المسلمين، ليسْتدرَّ ويستدرج عطف الناس ويأخذ في ذرف الدموع السخية لأن الأرض قد ضاقت عليه بما رحبت بسبب ما وصفه بـ»التدخلات الرسمية» ولأنه مُنع من عقد مؤتمره هذا في بعض المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية.. كنا نتوقع بدل هذا أن يبتعد عن البكائيات وعن العويل والصراخ وأن ينظر إلى داخله وأن يدعوا «الأصدقاء» الذين حضروا هذا المؤتمر والذين لم يحضروه إلى قول رأيهم بوضعه وبوضع ما يسمى الحركة الإسلامية في مشروع تصورٍ عام كان من المفترض أن يصل هؤلاء مسبقاً وخلال فترة كافية.
إن سياسة البكاء والنواح وتقمص وضعية الضحية وكذلك إشغال الناس بقضايا شكلية وثانوية لم تعد مفيدة ولا مجدية فما حدث في مصر حيث التنظيم الأم الذي يشكل «إخواننا» فرعاً له قد أُعتبر تنظيماً إرهابياً معظم قيادات الصف الأول فيه في السجون والمعتقلات وحيث أصبح الإخوان المسلمون بعد أكثر من خمسة وثمانين عاماً أمام مفترق طرق وبات عليهم أن يراجعوا مسيرتهم الطويلة مراجعة صادقة بدل هذه البكائيات وبدل السعي لإستعادة السلطة الضائعة باللجوء إلى الإرهاب الذي إن إستمرت الأمور على هذا النحو سيضعهم إلى جانب «داعش» و»القاعدة» وإلى جانب كل هذه المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
لم يكن ،وخلال أكثر من ثلاثة أعوام، حزب جبهة العمل الإسلامي ومعه «الجماعة» ،التي هو وجه عملتها الآخر، لا رائداً في تبني نهج الإصلاح ولا في محاسبة الفاسدين فقد أمضى كل هذه الفترة في إشغال الإردنيين في مسيرات غدت مع الوقت مملة ولم تعد تجذب حتى من لديه حب الإطلاع على أي شيءٍ وعلى كل شيء.. وقد أمضى هذه الفترة أيضاً في إشغال نفسه بـ»إنتصارات» التنظيم الأم التي تحولت إلى كوارث وغرق هو في احلام يقظة وهمية جعلته يرفع شعار :»إننا قادمون»!!.
والواضح أنه لا جديد لا عند الإخوان المسلمين «إخواننا» ولا عند وجه عملتهم الآخر حزب جبهة العمل الإسلامي فالأدبيات ،التي من المفترض أنها تطورت وأنها غدت عنواناً للنقد والنقد الذاتي وللوقوف وقفة جدية عند كل هذه المنعطفات الخطيرة التي يمرون بها وتمر بها المنطقة كلها، لا تزال تغرق في البكائيات وفي تقمص وضعية الضحية لإستدراج عطف الآخرين ولا تزال وكالعادة تتحدث عن أن :»النهج الإصلاحي المعتدل ،أي نهج هذا الحزب ونهج هذه الجماعة، لا يزال يواجه قوى فسادٍ وشدٍّ عكسيٍّ»!!.
إنه حق الإخوان المسلمين «إخواننا» إهتمامهم بحركة «حماس» وبخاصة وأن إثنين من قيادتهم أعضاء في مجلس شورى هذه الحركة لكن يجب أن يكون هذا الإهتمام بلا مزايدات وبلا الإشتراط بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية الأخيرة يجب أن يكون برنامجها «برنامج الجهاد والمقاومة.. لا أن تكون الوحدة الوطنية خطوة من خطوات الإستسلام والتسليم للعدو»!!.
إن هناك تحولات تاريخية تشهدها هذه المنطقة والمفترض أن يكون الإخوان المسلمون جزءاً من صانعي هذه التحولات لو أنهم لم يسقطوا في إمتحان مصر ولو أنهم أي «التنظيم الأم» لم يلجأ إلى العنف والإرهاب ولو أنهم بادروا إلى وقفة مراجعة عاجلة.. ولو أن «إخواننا» هنا قد تقبلوا «إخوانهم» في زمزم ولو أنهم إحتضنوهم وحاولوا تفهم وجهات نظرهم ولم يبدأوا بشن كل هذه الحملات الظالمة عليهم وعلى غرار ما كانوا يفعلونه مع كل من خالفهم الرأي وخرج من صفوفهم.