أخر الأخبار
الثقافة ما بعد كورونا
الثقافة ما بعد كورونا
رتبت جائحة كورونا، متغيراتٍ كبيرةٍ على أسلوب حياتنا، وأصابت العديد من القطاعات بالضعف، بل وربما أسست هذه الأزمة إلى أسلوب حياةٍ جديدٍ، وقد نال قطاع الثفافة، نصيبه من هذا التغير.
إذّ إنّ هذا القطاع، بمؤسساته، وأطره، ومنتدياته، وجمعياته، كان قبل أزمة الوباء يشهد تراجعاً في أنشطته، حتى أنّ كثيراً من الأدباء والكتاب كانوا يشكون من غياب الجمهور، أو اقتصاره على بعض الفئات دون أخرى، حتى جاءت الأزمة، وحاول البعض الاستعاضة عن الأنشطة الوجاهية بأخرى افتراضية، والأخيرة لاقت رواجاً كبيراً في بداية الأزمة، غيرّ أنها عادت وانحسرت، وأصبحت "ديكوراً" لا أكثر.
اليوم، وفي ضوء معطيات التعافي الجديدة، لربما أحوج مــا نكون إلى الحديث أو التفكير، في سبل تعافي هذا القطاع، ليس لأجل أنّ يعود كما كان قبل الأزمة، بل لينتعش، وينبري إلى دوره التنويري، ويكون قادراً على الوصول إلى الجمهور، وخاصة الشباب منهم.
فالحاجة اليوم، هي تفعيل الجمعيات والنوادي والتجمعات الثقافية، وإعادة إنتاج مفهوم المناسبة الثقافية، والترويج لها، لتعود إلى ألقها، ويعود المثقف إلى دوره، ليس من على منبرٍ يلقي من خلاله على الجمهور، بل نحن بحاجةٍ إلى أنواعٍ جديدةٍ قائمةٍ على الحوار، وتفعيل أدوات الوصول إلى الجمهور.
فمن غير المعقول، أنّ نبقى ندور في سياق الحديث عن النمطيات، والشكوى، والهم الثقافي، وأصحاب هذا القطاع والفاعلين فيه هم العقول التي يُعول عليها، لقيادة المجتمع، والعمل على تنويره.
وعلينا، أنّ نبتعد عن سرديات جلد الذات، والحديث عن غياب المثقف الأردني، فعلى مدار أعوامٍ من عملي في هذا القطاع، كنت أجد في المثقف الأردني، حاضراً، ومفكراً، وقادراً على أداءِ دورهِ، ومجتمعنا الأرني، يحترم المثقف الحقيقي، ويقدر دوره، ويصغي إليه.
ولكن، كثيراً ما نعتاد على الشكوى، دون إدراكٍ لسمات مجتمعنا، فالمثقف حاضر في مجالسنا، ومنتدياتنا، والحوار الذي تشهده مجالسنا، فيه كثير من الأحيان، حوار حقيقي ومشبع بالحديث عن سير من قدموا وبذلوا لهذا البلد، خاصة مثقفيه وأدباءه.
لربما، والحديث عن الثقافة ما بعد كورونا، فإننا اليوم بحاجةٍ إلى شجاعةٍ حقيقيةٍ في إعادة إنتاج الكثير من المفاهيم والنمطيات، بل والإقبال على الأدوات الاجتماعية، من غير ترددٍ فهناك مساحات حوار كبيرة بحاجةٍ إلى ملء، ومجتمعنا وإنساننا، يستحق منّا هذا الجهد.
وقطاع الثقافة، شأنه شأنّ بقيّة القطاعات، بحاجةٍ إلى حديث عن التعافي، لنرفع من معنويات مثقفينا وكتابنا، ونأخذ بيد الشباب منهم، دون أن نفرهم بصورٍ نمطيةٍ دفعت بهذه الشريحة إلى الإحجام عن المشاركة الفاعلة، وكشف المواهب الحقيقية لديهم.
إن الثقافة اليوم باتت بحاجة إلى وقفة وجهود أكبر أسوة بقطاعات أخرى كالاقتصاد والزراعة وغيرها، وتأمل المشهد الذي يشير إلى أن منتدياتها ودور نشرها وهمومها والمشتغلين بها باتوا كجزرٍ متباعدةٍ.
أمام هذا المشهد وجب علينا أن نقدم باقتراحات بدءاً بعملية عصف ذهني ينتدي فيها جمع من رموزها وأهلها، في مؤتمر أو لقاء أو خلوة، ولزم إعادة تقييم التجربة الأردنية وما تحمله من وجدان ومنتج أدبي وفكري، ومحاولة وضع الإرهاصات لإعادة بث الحياة في المشهد وحاجاته.
كما بات لزاماً إعادة تقييم تجربة التعاطي مع هذا المشهد، والخروج بأفكار كبيرة توازي القطاعات الأخرى التي تتقدم شيئاً فشيئاً.