في الوقت الذي تعلن فيه وزارة الزراعة تدفق فاكهة الدراق الاردني الى العراق , تستعد القوات المسلحة الاردنية لحماية الحدود الاردنية من انسيابية داعش اليها محملة بمفخخات وقنابل جرى الترويج لمقدمها على مواقع التواصل الاجتماعي وفي تصريحات على لسان امير داعش ابو بكر البغدادي , الذي استسهل في تصريحاته مقدرة الداعشيين على عبور الاردن وحدوده لتظهير الخارطة الداعشية التي سبق وان نشرها التنظيم عن حدود دولته الممتدة من العراق الى الكويت مرورا بلبنان والاردن وسوريا .
المشهد قد يبدو سرياليا او كوميديا سوداء , فالمسرب الخارج الى العراق يحمل الخضار والفواكه والمسرب القادم يحمل مفخخات وقنابل وسط قلق نخبوي اكثر منه قلقا شعبيا , مما يؤشر على ان البيئة الحاضنة لتنظيم داعش غير متوفرة في الاراضي الاردنية رغم محاولات استثمار النخبة لحضور داعشي مفترض لترويع المشهد المحلي والضغط على المفاصل الحساسة الاردنية لانتاج حالة تغيير قد تستفيد منها اوساط النخبة , كما نقلت الزميلة عمون في تقرير للزميل ماجد الدباس عن ردود الفعل لاحزاب واشخاص , والزميل نفسه من تحدث في تقرير لاحق عن الدراق .
التقليل من انعكاسات ما يجري على الساحة العراقية واثره على الاردن ليس مقبولا او مطلوبا ولكن تطويع الحالة الداعشية في العراق لامكانية الاستنساخ في الاردن والقبول الشعبي بها كما المحت بعض النخبة فيه انتهازية سياسية او على الاقل سوء تقدير وسوء قراءة للواقع المحلي , فالتيار السلفي بمختلف تلاوينه العسكرية والفكرية محدود التأثير في الاردن ولا يحظى بكثير تأييد , ولو قرأت النخبة مواقف الارنيين من داعش في سوريا لعرفت الفارق عن الموقف الشعبي الاردني حيال ما يجري في العراق , بسبب نهج طائفي قامت به حكومة المالكي , فظهر الفرق بين الموقفين , ليس لصالح داعش بل لرفض النهج الطائفي والاحساس الاعمق بأن العراق بات ايراني الهوى وهو ساحة قومية عروبية بامتياز جرى اختطافها .
تفكيك تحليل النخبة يؤشر الى الاستثمار في الدواعش لصالح الاجندات الحزبية , فالتيار السلفي لا يقبل بالانتخابات في الاردن ولم يشارك في عملية انتخابية سوى بمحاولات فردية قليلة , سواء كان القانون عصريا او محافظا كما هو الحال الآن , فالتنظيم يؤمن بالبيعة ويرى في الديمقراطية التصويتية كفر أشر , وبالتالي فإن فرضية الانتخابات التي اطلقها نائب مراقب الجماعة الاخوانية غير صالحة للاستهلاك السياسي كذلك ربطها بالحالة المصرية التي تجاوزت مرحلة مرسي وعشيرته الى مرحلة تصفية بواقي التيارات المتطرفة .
اما التخوفات بأن يقبل الاردني بالشيطان امام حالة الافقار كما يقول السلفي ابو سياف , فهي نظرية اسقطها الاردنيون منذ سنوات طويلة بإيمانهم بدولتهم حتى وهي مريضة على حساب اي مشروع آخر , فالدولة المعلولة عند الاردنيين خير وابقى من اي مشروع غامض فكيف اذا كانت شواهده ذبحا وقتلا باسم الدين , مع ضرورة عدم التقليل بضرورة رفع مستوى المعيشة للمواطن الاردني , لأن ابي سياف يعرف اكثر من غيره ان البيئة الحاضنة للفكر السلفي العسكري هي البيئات الفقيرة والمظلومة .
العقل الرسمي عليه قراءة الحالة المحلية بعينين اقتصادية وسياسية مع عدم الاستكانة الى ان المجتمعات العربية اعادت ترتيب اولوياتها بعد الربيع العربي لصالح الامن والامان على حساب الاصلاح , لأن سؤال التنمية المستدامة ما زال سؤالا مطروحا على معظم الدول العربية التي اجتازت مرحلة الربيع العربي بسلام , ولن يقبل المواطن بالتفريط بالتنمية والامن كمتلازمتين , وهذا هو التحدي الحقيقي في ظل خرائط غربية يجرى توزيعها والاعداد لتنفيذها على ارض الواقع مفادها تقسيم المنطقة وفقا لمعادلات مذهبية واثنية والترويج بأن هذه الخرائط ستكفل التنمية والرفاه لكل مذهب واثنيّة .