تتزايد التكهنات عن قرب رحيل (اقرأ اطاحة) نوري المالكي، من موقعه وخصوصا تلك التسريبات التي تتحدث عن «أمْرٍ» أميركي حمله جون كيري الى رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، على نحو بدت زيارته الى اربيل والاجتماع الذي ضمه يوم امس ورئيس اقليم كردستان مسعود برزاني, وكأنه «تعهد» أميركي للزعيم الكردي بأن المالكي قد انتهى دوره (اقله كرئيس للوزراء) وبات مطلوباً الآن موافقة الكرد على المشاركة في حكومة وحدة وطنية جامعة تشارك فيها كافة الاطياف والمكونات السياسية والعِرقية وخصوصاً المذهبية... العراقية..
لكن برزاني رد في في ما يشبه الرفض ان عراقا جديدا قد نشأ بعد احتلال داعش للموصل .
فهل نحن فعلاً أمام مرحلة ما بعد المالكي؟
مهلاً... لا داعي للمسارعة الى نعي نوري المالكي, رغم كل «الضعف» الذي لحق به ورغم صعوبة موقفه وشعوره بالهزيمة، فالرجل ما يزال يرأس الكتلة الأكبر في البرلمان الجديد بعد ان صادقت المحكمة الاتحادية على نتائج انتخابات 30 نيسان الماضي, ويصعب والحال هذه ان يتم تجاوز هذه الكتلة (95 نائباً) أو دفعها الى خارج المشهد, حتى لو نجح التحالف الرباعي (الذي لم يعد قائماً) والذي يضم شيعة وكرد وسُنّة، بينهم الصدر والحكيم وبرزاني والمطلك والنجيفي في تشكيل كتلة «اكبر» من تلك التي يستطيع المالكي نيل دعمها، وبخاصة ان المشهد العراقي اختلف الآن عمّا كانت الحال عليه قبل العاشر من حزيران الجاري يوم سقوط الموصل, ثم حملة التصفيات الميدانية البشعة التي قامت بها داعش ضد ابناء طائفة معينة (شيعة) ثم وخصوصاً بعد صدور فتوى المرجعية الدينية العليا بالجهاد الكفائي.
كل هذا افرز حالا من الحيطة والحذر وإعادة الحسابات السياسية وعودة الى الشرنقة المذهبية, بعد ان بدت الامور وكأنها تتجه الى عزل الطائفة الشيعية او الحد من نفوذها, ما يمكن رصده في رد فعل خصوم المالكي الشيعة عبر تصريحات وممارسات التيار الصدري خصوصا الذي سيّر «عرّاضة» عسكرية تحت يافطة «سرايا السلام» ثم اتبعها بتصريحات تفوح منها رائحة عدم السماح بهيمنة تنظيمات إرهابية على الحياة السياسية العراقية ثم ابداء الاستعداد ولو في شكل حذر للتحالف مع المالكي مثل عبارة: «توحيد الصف ودعم الانشطة التعبوية» التي تحدثت عنها أوساط التيار الصدري.
اين من هنا؟
مصادر المالكي قالت بعد انتهاء اجتماعه الطويل مع رئيس الدبلوماسية الاميركية, أن رئيس الوزراء العراقي «تعهّد» تشكيل حكومة قبل انتهاء المهلة الدستورية في 30 حزيران الجاري, ما يعني أن الرجل الذي ظن كثيرون انه انتهى سياسياً, ما يزال يتوفر على ثقة بقدرته على تدوير الزوايا و»جلب» القوى السياسية المنافسة الى مربعه, بعد ان شعر الجميع أن العراق يواجه خطر التقسيم الجدّي, ما سيطيح كل «الزعامات» التي تشكّلت او جيء بها بعد الغزو الاميركي, فضلاً عن الكوارث التي ستسفر عنها «الحروب» بين «الدويلات» الثلاث التي ستقوم وفق سيناريو التقسيم, الذي كان جو بايدن نائب أوباما دعا اليه صراحة ورأى فيه خشبة الخلاص للعراق الاميركي الجديد..
ثم... اذا كان أحد نواب كتلة المالكي (خالد الاسدي) قد «نفى» الانباء التي تحدثت عن طلب كيري من المالكي.. «التنحي», وقال في وضوح أن موضوعاً كهذا لم يُبحث مع المسؤول الاميركي, فضلاً عن كونه شأناً داخلياً عراقياً, فإن من السذاجة الاعتقاد أن المالكي سيرفع الراية البيضاء بسهولة, ناهيك عن هامش المناورة الذي ما يزال بمقدوره أن «يلعب فيه وعبره» ونقصد الاعتماد على الموقف الايراني, حيث طهران ترى في بقائه والتمسك به ورقة مساومة «ثمينة», بعد أن بدا الطرف الاميركي وكأنه يريد تقليم النفوذ الايراني في بغداد أو «اقتسامه» عبر ابداء المزيد من «التمنّع» في توجيه ضربات جوية لتجمعات وحشود داعش, ناهيك عن اعلان واشنطن بأنها لن تبحث (اذا ما قررت التعاون) مع طهران, «سوى» المسألة العراقية أما الملف النووي, الذي تُطالب ايران بوضعه على جدول الاعمال «الثنائي» بعد التطورات الاخيرة في العراق.. فلن يتم التطرّق اليه.
تمدد داعش وتواصل التسريبات الاعلامية والتحليلات السياسية التي تفوح منها رائحة الشماتة بالفشل الموصوف الذي سجّله المالكي ميدانياً, لا تعني أن العراق يستعد لولوج مرحلة جديدة (على جثة المالكي السياسية) ولا سبيل غير الحوار لـ»تعديل» الاختلالات التي حدثت منذ عهد بريمر, وليس فقط في السنوات الثماني التي كان فيها نوري المالكي صاحب القرار, بمعنى أن الوقت قد حان لدفن عراق بول بريمر وليس دفن العراق نفسه..
ولا مناص من الحوار وتقديم التنازلات المتبادلة وإسدال الستار على ثقافة التهميش والاقصاء والشحن الطائفي والمذهبي, اما غير ذلك.. فالعراق الذي نعرفه سيكون على طريق الفوضى والاندثار (حتى لا نقول الانقراض).