مَن قال، إن الأردن لم يكن -يوماً- في عين العاصفة منذ أنْ كان، وهذه المرّة ليست
الأولى التي تتعرّض فيها الحدود الأردنية للخطر تاريخياً، فحدود المملكة تحت الخطر،
وفي مرماه سواء الغربية أو الشمالية منذ أمد بعيد واليوم يتجدد الخطر شرقاً، وفي كل
مرّة يستطيع الأردن أنْ يخرج من عين العاصفة بجهود وهمم الخلّص من أبنائه، وفي
مقدمتهم الجيش والأجهزة الأمنية ومتانة منظومته الوطنية..اسباب سخرها الله تعالى
لحفظ هذا البلد .
فالأردن منذ عقود طويلة على اشتباك
مستمر ومتنوع مع التنظيمات الإرهابية، فهو في عينها هدفاً منذ زمن بعيد، وهو بلا شك
يثير حفيظتها؛ لأنه مثّل في كثير من المواجهات صخرة قوية تكسرت عليها مخططات هذه
التنظيمات.
ما يحدث في العراق اليوم من انهيار متسارع
للمؤسسات السيادية، وسقوط المدن هناك هو نتيجة حتمية لقرار اسقاط الدولة العراقية
منذ العام 2003، وتفكيك الجيش العراقي وأجهزته الأمنية، وتسليم البلاد لمليشيات
حكمت برؤية طائفية ضيقة؛ ما أوصل العراق اليوم إلى ما نراه من فوضى تأتي على
مقدراته، بل باتت تهدد وجوده كدولة موحدة، وعاد شبح التقسيم يطل برأسه على
الجغرافيا العراقية، إذْ كانت البداية من أربيل حين أعلن الزعيم الكردي مسعود
برزاني أن الوقت قد حان لإعلان دولة كردستان، وتمكين الأكراد من تقرير مصيرهم، كما
أن صفقات النفط التي يعقدها الإقليم -بعيداً عن الدولة المركزية في بغداد- إشارة
واضحة على أن الكرد مصرّون على الانفصال عن الدولة العراقية، وهذا إنْ حدث سيمثل
أول مسمار في نعش الدولة العراقية، كما أنه سيمثل تغييراً جذرياً ليس فقط على
الجغرافيا العراقية بل ستكون ارتداداته على شكل المنطقة بكاملها، خصوصاً في ظل
الأزمة السورية المتصاعدة التي لا يستطيع أحد أن يتنبأ بنهايتها أو ارتداداتها.
الأردن في وسط هذه العاصفة، ما زال يشكل العلامة الفارقة
في المنطقة، التي باتت تسير على رمال متحركة، ولذلك من واجب الجميع عربياً
وإقليمياً الوقوف إلى جانبه على مختلف الصعد، فهو بات -حقاً- يمثّل جدار الصد
الوحيد في وجه انهيار كامل للمنطقة، الذي إن وقع -لا قدر الله تعالى- فلن تكون
نتائجه على المنطقة فقط بل على استقرار العالم بكامله.
لذلك فعلى المستوى العربي والدولي يجب الاستماع للصوت الأردني إزاء
الأزمة المشتعلة في العراق وسوريا، التي تتوحد في كثير من المسببات، وستكون نتائجها
على الصعيدين العراقي والسوري مدمرة على المستوى الإقليمي؛ ليس لأن الأردن دولة
عظمى أو صاحب قرار بهذه الأزمة، بل لأنه أول المتضررين من انعكاساتها، هذا أولاً...
وثانياً، لأنه ليس له أطماع في البلدين بل مصلحته انْ تعود الأمور على حدوده
الشرقية والشمالية إلى طبيعتها، ومثّل دائما صوت العقل والحكمة في مسيرة الأحداث
التي عصفت بالمنطقة منذ عقود طويلة، وكان الأردن طالب منذ البداية وعمل من أجل حل
سلمي للأزمة في سوريا بعيداً عن التخندق مع الأطراف المتصارعة؛ ما شكّل بيئة خصبة
لإذكاء الصراع وتشعبه هناك، أما على المستوى العراقي فقد عمل الأردن منذ سنوات على
أن يكون الاشتباك العراقي مع محيطه العربي كبيراً وايجابيا وفعالاً وأساساً في
عملية بناء الدولة العراقية الحديثة، ولكن للأسف أدار العرب ظهورهم للعراق، وتركوه
ليقع في الفخ الإيراني، وكان لوصول ساسة عراقيين إلى الحكم في بغداد محسوبين على
إيران بشكل كامل عاملٌ أساسٌ في الابتعاد التام للعراق عن أمته بعد أن كان دولة
محورية في محيطه العربي والإسلامي؛ ما حوّله إلى ورقة بيد إيران، تضغط من خلالها
باتجاه مصالحها إقليمياً ودولياً، وهذا بدا واضحاً تماماً حين عرضت إيران -في
مفاوضاتها الأخيرة مع الغرب حول ملفها النووي- ربط قضيتها النووية بالملف
العراقي..
الأردن وسط كل هذا من حقه الدفاع عن أمنه
واستقراره وسيادته وحماية أراضيه ومواطنيه خصوصًا في ظرف بات فيه المبدأ القُطري
يسيطر على عقلية معظم العرب، وهو مستهدف تاريخياً -كما أشرنا- من الإرهاب على شتى
أنواعه، لذلك بالإضافة إلى الجهود العظيمة التي تبذلها قواتنا المسلحة المشهود لها
في الميادين العسكرية والوطنية وأجهزتنا الأمنية وفي مقدمتها «فرسان الحق» علينا
جميعاً في المجتمع الأردني أن نكون متماسكين متراصين خلف مصلحة الأردن التي تمثل
مصلحتنا جميعاً أمنياً وسياسياً خصوصاً في هذا الظرف الصعب الذي يكاد يعصف بالمنطقة
برمتها.
الجميع مطالب اليوم أنْ ينحّي مصالحه الذاتية
ومواويله الخاصة جانباً ويعطي الأولوية للمصلحة العامة؛ حتى نستطيع أنْ نتخطى هذا
الظرف الصعب، وأنْ يبقى الأردن محافظاً على ذاته وسط نيران مجنونة تجتاح المنطقة،
ومشاريعَ مدمرة، إنْ غفلنا عنها للحظة واحدة سنندم جميعاً -لا قدر الله تعالى- يوم
لا ينفع الندم، فشعار الأردن أولاً أصبح اليوم مطلوبا تفعيله أكثر من أي وقت مضى
لدى كل واحد منا، لنتمكن من الخروج سالمين بوطننا واستقرارنا وسيادتنا من نفق تدخل
به منطقتنا عنوة!!