واحدة من أهم القضايا التي شغلت إهتمام جهات عربية وإسلامية خلال أكثر من مرحلة الدفاع عن صورة الإسلام لدى الغرب وبخاصة بعد تفجيرات نيويورك، وكانت هنالك جهود إيجابية، لكن الجديد في قضية « صورة الإسلام « تلك الصورة التي ساهمت بعض جماعات الإسلام السياسي في رسمها للإسلام لدى العرب والمسلمين.
لا أتحدث عن الإسلام الدين بجوهره الكريم وتعاليمه وشريعته، فصورته الكريمة يعرفها أبناؤه وكل المنصفين في الكون، لكن الحديث عن شكله السياسي وتجسيده على الأرض في نظام حكم وبخاصة في ظل ميليشيات.
ولعل الصورة التي ظهرت فيها تنظيمات التكفير والتطرف قدمت خدمات جليلة لخصوم الإسلام كدين أو حالة سياسية، والأهم أنها رسمت صورة سلبية لدى فئات من العرب والمسلمين، وصنعت حالة خوف ورعب من سيطرة تلك التنظيمات أو إمتدادها في أي أرض عربية، فالأمر ليس خلافاً على طريقة التعامل مع دول ألحقت ظلماً بالأمة، بل بالتعامل مع العرب والمسلمين حيث الإعدامات والقتل وتبني فتاوى متشددة جداً تمس حق الناس في حياة طبيعية، إضافة إلى التعامل السلبي مع المسيحيين العرب من خطف وتهجير والأعتداء على حقهم في العبادة والإعتقاد.
أنه نموذج حكم طالبان الذي يتبنى حكماً شرعياً واحداً ويتشدد في تطبيقه ولا يرى غيره، ويرى الناس من زاوية الكفر والإيمان وهذا ينطبق على المسلمين قبل غيرهم، وهذا النموذج أنتهى في أفغانستان لكنه أنتقل إلى بعض مناطق أمتنا العربية، وقدم نفسه سيفاً يقطع رأس حلاق أو محكمة تصدر أحكامها على كل الآخر والتنفيذ فوراً بالإعدام، وفي المحصلة تم رسم صورة سلبية عنوانها خوف الناس من هذا النموذج ليس لأنه يحكم بالشريعة السمحة بل لأنه حكم قمعي يفوق حكم الانقلابات والقمع والميليشيات، لأنه حكم ميليشيا تحكم بإسم الدين أو بالتفسير الذي تراه للنصوص الشرعية.
وحتى فترات الحكم لمن يقدم نفسه « إسلاماً سياسياً معتدلاً « فأنها لم تستطع أن تجمع حولها الراغبين في حكم نظيف ممتد في ثقافة الناس والشريعة، لأنها تسلمت الحكم بعقلية التنظيم والحزب والرغبة في السيطرة، وخانتها خبرتها السياسية المتواضعة فدخلت في تحالفات ومحاور أرادت استثمار الحضور الشعبي لهذه القوى الإسلامية، فكان الحكم إنفعالياً سطحياً نسي المواقف الكبرى التي بقيت هذه الجماعات تتحدث بها عن إسرائيل، ونسيت حكاية الشريعة، ولم تقدم للناس شيئاً في معيشتها، وأنهمكت في لعبة السياسة، ولعبت مع دول في مراحل متقلبة، فلم تكسب الناس، ولا أستطاعت أن تبني حضوراً، ولم تخدم ما كانت ترفع من شعارات.
ومع ذلك فإن النماذج الأخيرة أحتفظت بمن يؤيدها من الأنصار ومن حولهم، لكن نماذج التطرف والتكفير تلعب لعبة أمنية وسياسية خطيرة أهم نتائجها رسم صورة رديئة للإسلام السياسي في أذهان العرب المسلمين، وهي خدمة ربما ليست مجانية لخصوم الإسلام وحتى الإسلام السياسي.