مرة تلو الأخرى، تتكشف مواطن الضعف لدى "الجيش الذي لا يقهر"، والأجهزة الأمنية والاستخبارية، التي تضاهي، أكثر الأجهزة في العالم خبرة، وإمكانيات وقدرة على العمل.
بعد فشل هذه الأجهزة في منع عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة، فيما هي تعلم عبر التجربة، أن المحاولات لاختطاف جنود أو مستوطنين تكررت كثيراً خلال هذا العام والعام السابق، تفشل هذه الأجهزة، ومعها خمسة عشر ألف جندي إسرائيلي بالإضافة إلى ميليشيات المستوطنين، ومعها أيضاً، التعاون الذي أبدته الأجهزة الأمنية الفلسطينية، إذ لم تنجح رغم مرور ما يقرب من عشرين يوماً، في أن تعثر على أي معلومات عن المخطوفين والخاطفين.
وتفشل كل هذه الآلة العسكرية والأمنية، مرة أخرى، حين عثرت على جثث المستوطنين الثلاثة، في منطقة مفتوحة، لا شك أنها خضعت للتفتيش والمراقبة خلال عملية البحث عنهم قبل أن تعثر عليهم، ودون أن تعثر على من قاموا بهذه العملية.
الخليل تخضع لإجراءات وعمليات عسكرية واستخبارية شاملة ومركزة منذ اختفاء المستوطنين، فكيف نجح الخاطفون في إلقاء جثثهم في منطقة مفتوحة دون أن تتمكن كل الإجراءات الإسرائيلية من مراقبتهم؟
وبغض النظر عما إذا كانت حركة حماس هي المسؤولة فعلياً عن عملية الاختطاف أو كان غيرها من قام بها، فإن إسرائيل اختارت بنفسها أن توجه التهم لحركة حماس، وذلك انطلاقاً من طبيعة الأهداف التي أرادت الحكومة الإسرائيلية تحقيقها من خلال استخدام عملية الخطف كذريعة.
توجيه التهمة لحركة حماس، تنطوي على مصداقية بالنسبة للجمهور الإسرائيلي وللدول التي تصنف الحركة كحركة إرهابية، ثم إن حماس مشخصة، ولديها ما يمكن اعتباره بنك أهداف بالنسبة لإسرائيل.
بالإضافة إلى أن استهداف الحركة، يحرج السلطة، التي تتهمها إسرائيل بالتحالف مع الإرهاب، ويساعد الحكومة الإسرائيلية على تحقيق هدفها بتدمير المصالحة الفلسطينية.
فوق هذا أو ذاك، يشكل اتهام حركة حماس بالمسؤولية عن عملية الاختطاف، مدخلاً، مهماً بالنسبة لإسرائيل، التي تسعى للتحريض على السلطة، وتفكيك الحصار الدولي المضروب حول إسرائيل، وربما يساعد في تبديل مواقف الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، باتجاه رفض المصالحة وحكومة الوفاق، ومحاصرة السلطة الوطنية الفلسطينية.
على أن مسلسل الفشل الذي أوقعت حكومة نتنياهو نفسها فيه، أحدث حالة من الارتباك في صفوف القيادات السياسية والأمنية والعسكرية، فلا هي قادرة على أن تصعد نوعياً عملياتها في الضفة الغربية، وذلك بسبب غياب الذرائع، وممانعة المجتمع الدولي، ولا هي قادرة على إنهاء عملياتها والعودة إلى قاعة المحكمة، حيث الشامتون كثر، والمتربصون كثر، والمنتقدون كثر في المجتمع الإسرائيلي.
يحتاج نتنياهو وزمرته المتطرفة إلى الوقت لتبديد حالة الاحباط والاكتئاب ولتبديد وتبريد غضب المنتقدين والمتربصين به وبحكومته، ولذلك، فإنه يعلن عن أن عمليات الجيش ستستمر في الضفة، ويلوح باستهداف حركة حماس ومؤسساتها في الضفة وغزة.
زملاؤه في القيادة السياسية والعسكرية يذهبون باتجاه أكثر صراحة، وعدوانية إذ يعلن وزير الدفاع موشيه يعالون بأن جيشه سيستهدف قادة حركة حماس ومطلقي الصواريخ.
وبعد أن فشل المجلس الأمني المصغر في اتخاذ قرار يوم أول من أمس، وبعد اجتماعه مرة أخرى أمس، يعلن، اللواء متقاعد عاموس يادلين، أن الكابينيت قرر القيام بعملية خاطفة ومدمرة في قطاع غزة.
ما جرى حتى الآن في الضفة، وبعد اعتقال المئات من قيادات وكوادر حركة حماس، وتدمير منزلي مروان القواسمة، وعامر أبو عيشة، واستباحة، مدينة الخليل وضواحيها، وعدد من مدن وقرى الضفة، لم يعد لدى الجيش الإسرائيلي من الأهداف، ما يشفي غليل المتطرفين الذين ينتظرون انتقاماً إسرائيلياً شديداً، ولذلك كان لا بد من التوجه إلى قطاع غزة، الذي يضج بالأهداف.
إزاء قطاع غزة، لا ترغب إسرائيل بالتأكيد في تبديل جذري لواقع الحال من حيث سيطرة وقوة حركة حماس، فتدمير المصالحة، واستمرار الانقسام يقتضي بقاء الحركة قوية في القطاع، بموازاة، حركة فتح التي تمسك بالسلطة في الضفة الغربية وبالتالي لا بأس من ضربة غير مميتة.
أول من أمس، صعدت إسرائيل عدوانها على القطاع، حيث شنت الطائرات الحربية نحو خمس وعشرين غارة على مواقع وأماكن مختلفة، أملاً في الحصول على رد فلسطيني بإطلاق كمية من الصواريخ كافية، لمنحها ذريعة لتصعيد كبير محتمل.
قبل ذلك كانت الطائرات الإسرائيلية قد أقدمت على اغتيال كادرين من ألوية الناصر صلاح الدين بالقرب من بيت إسماعيل هنية، وهو أمر متعمد ومدروس، إذ كان بإمكان الطائرات الإسرائيلية أن تصطاد، المقاومين في مكان بعيد عن بيت هنية، ما يعني أن عملية القصف تستهدف إيصال رسائل لحركة حماس من نوع ساخن.
المتوقع هو أن تقوم إسرائيل خلال الساعات أو الأيام القليلة القادمة، باصطياد بعض قيادات المقاومة من حركة حماس أو غيرها، كما حصل يوم قامت باغتيال القائد القسامي أحمد الجعبري، لكي تضمن أن يصلها رد من قبل المقاومة، مواز، لنوع عملية الاغتيال.
إذا كان هذا السيناريو يستدعي وقتاً تحتاجه إسرائيل، فإن السيناريو الثاني هو أن يتفاجأ أهل القطاع، بقصف جوي شامل للعديد من المؤسسات، والمراكز، في طول قطاع غزة وعرضه كما حصل عندما بدأت إسرائيل حرب الرصاص المصبوب، في كانون الثاني 2008، والمهم أن نتنياهو الذي لا يستعجل العودة إلى البيت خالي الوفاض، سيقع مرة أخرى في شرور أفعاله وسياساته.