لم تكن تعلم أن ابنها الذي تخرج للتو في الجامعة سيقتل في تفجير بالعراق، فزوجها رجل تقي ورع وهو أحد مرتادي المساجد منذ زمن طويل، والعائلة متدينة وتعيش حياة سلام، فلا حاجة لجاذبية متشددة أو متطرفه، ولا يعيش الشباب في وسط غير متدين أو في بيت لا يذكر فيه الله.
لذلك فالشاب الذي تخرج للتو وقال لذويه، إنه يريد الذهاب لتركيا مع اصدقائه الثلاثة، لم يُرفض طلبه، فلم تكن هناك أية علامات تشدد أو تطرف عليه كي لا تتحق رغبته.
وافق الأهل على سفر الابن، وطال الانتظار، وكانت الأم خبأت له بعض الطعام الذي يشتهيه كي تطبخه لحين العودة. لكن السفر طال، حتى جاء الخبر بوفاة الابن في العراق، فلم تصدق الأم الفجيعة، فابنها المؤدب والمحترم بين الناس والذي يحتفظ بسيرة طيبة لم يفصح لها بشيء عن نواياه التي تحققت بالشهادة، التي افقدتها قطعة من كبدها في زمن مبكر، ولتنتهي الأحلام بفرحة التخرج إلى ندب وحزن وحسرة.
اليوم تعود مشاهد الموت والاستشهاد لشباب أردني مثل حال صاحبنا وأصدقائه الذين قتل بعضهم وعاد قسم منهم إلى أهلهم، والقصص تتكرر فبعضهم يقاتل مع النصرة وآخر يقاتل مع داعش، وهناك رويات كثيرة لمئات الشباب الأردني الذي هاجر إلى العراق أو سوريا لأجل القتال، وقبل ذلك -في اوائل التسعينيات- إلى الشيشان والبلقان. وقد يكون العدد بلغ أكثر من ألفي مجاهد.
الجهاد بالنسبة لهؤلاء فعل واجب، وأرض الشام كما كانت في القرن الأول للهجرة غدت اليوم بالنسبة إليهم قاعدة الجهاد لأهل الجماعة، لكن بدلاً من أن يكون العدو بيزنطة فالعدو اليوم في سوريا مختلف عليه، فهو مرة النظام السوري ومرة التنظيمات المختلف معها، ومرة إيران ومرة حزب الله، والمهم أن المجاهدين يغادرون أهلهم اليوم في الأردن أملا في الالتحاق باهل الجماعة، والجهاد معهم.
اليوم -بعد توالي المشاهد القتالية لشبابنا الراغب بالجهاد- يجب الاعتراف بان التطرف قابل لجذبهم، وكل ذلك باسم الجهاد الذي أضحى فكرة عائمة، يطفو على سطحها الكثير من الحقائق الغائبة، وشبابنا اليوم هو فريسة وضحية لها.
شباب متعلم وآخر متعطل على العمل ممن أكله الفراغ، سافر للعراق وسوريا، ولكن البطالة ليست السبب، فقسم آخر استقال من عمله وسافر لسوريا، كما حدث مع احد موظفي واحدة من الجامعات الرسمية الكبرى والذي اخذ إجازة بحجة العمرة لينتهي سفره بالخبر عنه مقتولاً في سوريا، وسط ذهول الجميع حوله من الأهل والأصدقاء وزملاء العمل.
القتال اليوم يزداد تعدداً في جبهاته وفصائله، وبعض الشباب الأردني يقاتل ضد بعضه البعض كل حسب فصيله وإمامه. أما شبابنا الذي راح وما عاد، فذلك أمر لا يمكن البحث في مصائره، لكن من عادوا يجب الإفادة منهم في تنوير الناس وتفسير الأخطاء التي وقعوا فيها، ويجب الوصول إليهم لوقف الهجرة الشبابية الجهادية، ويجب التعلم من اخطائهم إن كانوا يعتبرون ما حدث لهم أنه خطأ.
حتى الآن لا نعرف جهداً وطنياً منظما لوقف الالتحاق بالمنظمات القتالية الإسلامية في العراق وسوريا، أو حتى الإفادة من قصصهم، وجُل ما يحدث أننا ننتظر أسماء القتلى والشهداء حين تعلن وفاتهم، وحتى اليوم للأسف هناك من هو مقتنع بأننا محصنون من خطر التطرف وفتنة هذا الزمان «داعش».