أنْ تأتي متأخراً خيرٌ من ألاَّ تأتي أبداً فنائب مستشارة الأمن القومي الأميركي بنْ رودز حمَّل نظام بشار الأسد ،بعد طول تردد وإنتظار، مسؤوليـة ظهور تنظيم «داعش» وهو قد قال أن هذا النظام وليس هذا التنظيم هو مصدر التهديد الإرهابي وكذلك وفي الإتجاه ذاته فقد وجه الكاتب أنثوني لويد في صحيفة «تايمز» البريطانية إتهاماً صريحاً للرئيس السوري بالضلوع في إنشاء «الدولة الإسلاميـة في العراق والشام» من خلال إصراره على مواصلة العنف ومن خلال شبكة مخابراته وعملائه.
لقد كانت هذه الحقيقة واضحة منذ ظهور هذا الإسم للوجود وهي إتضحت أكثر وأكثر بعد التاسع من يونيو (حزيران) الماضي حيث أبدى بشار الأسد إستعداده للمشاركة في مواجهة خطر هذه الـ»داعش» وحيث بادر إلى شن غارات جوية على مواقع قوى الثورة العراقية مدعياً كذباً وزوراً وبهتاناً أنه يستهدف هذا التنظيم وحيث بادر نوري المالكي ومن خلفه أو من أمامه إيران على عزف هذه المقطوعة نفسها التي وجدت ترحيباً غربياً من قبل حتى وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي إتخذ مواقف مستغربة ومثيرة للتساؤلات بالنسبة للأزمة العراقية المتفجرة.
وبهذا فقد إتضح لغز «داعش» هذه وثبت ،وأقول قولي هذا وأنا متأكد ومتيقنٌ، أنها صناعة المخابرات السورية والمخابرات الإيرانية وأن المقصود بعد تضخيمها والنفخ فيها وتصويرها على أنها تهدد ليس سوريا والعراق ولا الشرق الأوسط وإنما العالم كله هو إلصاق تهمة الإرهاب بأكثر فصائل الثورة السورية إعتدالاً و»بثورة» السنة العرب الذين لم يلجأوا إلى ما لجأوا إليه بعد التاسـع من يونيو (حزيران) الماضي إلاَّ بعد أن طفح كيلهم وبعد تمادي نوري المالكي كثيراً في إستهدافهم وإقصائهم وتهميشهم وإستباحة كراماتهم والتطاول على محرماتهم وحرماتهم.
إن المقصود هو تزوير الحقائق وهو إقناع العالم ،ومعه «المؤلفة قلوبهم» من أهل هذه المنطقة، بأنه لا وجود لأي معارضة أو ثورة إنْ في العراق وإن في سوريا إلاَّ «داعش» وإنَّه على العالم ،الذي غدا مستهدفاً بنمط جديد من الإرهاب، أن يقف إلى جانب نوري المالكي وبشار الأسد.. وإيران بالطبع لمواجهة هذه «الآفة» الكونية!! وهنا فإن المستغرب والمثير للكثير من التساؤلات أن الأميركيين كانوا أوَّل المصدقين لهذه الكذبة وأن جون كيري ،الذي من المفترض أنه يعرف أسرار هذه المنطقة كلها ويعرف ألاعيبها ومناوراتها، قد بارد إلى قطْع وعْدٍ على نفسه وعلى إدارته وعلى الولايات المتحدة بتزويد رئيس الوزراء العراقي ،المنتهية ولايته، بالعديد من الطائرات المقاتلة والعديد من الطائرات بدون طيارين «درونز» للتصدي لهذه الظاهرة الإرهابية الجديدة التي باتت تهدد حتى منْ هُمْ تحت التراب في أقصى ركنٍ من الكرة الأرضية!!.
لم يسأل هؤلاء ،الذين صدَّقوا إيران وصدَّقوا بشار الأسد ونوري المالكي، أنفسهم عن كل هذه الإستعراضات الإعلامية التي تقوم بها «داعش» وهم لم يحاولوا البحث عن الحقائق وعن الصحيح إنْ في العراق وإنْ في سوريا بل والمستغرب أيضاً أنهم ومعهم غالبية الإعلام العالمي والعربي بقوا يضعون أكفهم فوق عيونهم وبقوا يرفضون الإتصال بالتنظيمات الحقيقية التي فجرت إنتفاضة التاسع من يونيو (حزيران) وبقوا ينكرون وجود هذه التنظيمات التي غدت معروفة بإنتماءاتها وتوجهاتها القومية والإسلامية.
ربما أن هؤلاء لا يعرفون أن صاروخ «سكود» الذي ظهر في شوراع مدينة الرقة السورية قد حصلت «داعش» عليه تبرعاً من قادة جيش نوري المالكي الذي ثبت أنه كان مجرد نمور من ورق وربما أنهم لا يعرفون أن هذا التنظيم لم يظهر إلاَّ في المناطق الخالية والفارغة من السُّلطة والأمن وأنه لم يبرز إلاَّ في العراق وسوريا حيث لا توجد دولة فعلية وحيث لا أمن ولا إستقرار وحيث يوجد من «يُطبْطِبُ» على أكتافه.. إن هذا التنظيم هو مجرد «فقاعة» إعلامية وأن الذين يحاولون تهديد الدول العربية المجاورة به لا يعرفون أن هذه اللعبة غدت مكشـوفة ولا يعرفون أن ما أصاب بلاد النهرين والشام لا يمكن أن يصيب هذه الدول المعنية لأنها محصنة بوحدة وطنية داخلية متينة ولأنها وشعوبها تنعم بقيم تسامح راقية بين الحاكم والمحكوم.. ولأنها تتمتع بإستقرار محروس بجيوش مؤهلة وبأجهزة أمنية كفوءة وقبل كل هذا برعاية وعناية الله جلَّ شأنه.