القناة العاشرة الإسرائيلية، الساعة التاسعة من صباح أمس تنقل عن المستوى الأمني الإسرائيلي، أن إسرائيل ليست بوارد تنفيذ عملية واسعة في قطاع غزة، وأن المستوى السياسي ـ الأمني، تعمّد الإشارة إلى أن استدعاء 1500 من جنود الاحتياط، يعود إلى الحاجة لإدارة شبكة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ الغزية .. هذه رسالة واضحة ـ لكن مضلّلة ـ بحيث تبعث الاطمئنان لدى الجانب الفلسطيني في قطاع غزة، أن لا نية لإسرائيل لتوسيع الحرب، وبالتالي على قوى الثورة الفلسطينية في قطاع غزة، الإبقاء على مستوى متدن من ردود الفعل الصاروخية، طالما أننا لسنا أمام عملية واسعة أو حرب طويلة أو اجتياح لقطاع غزة. كما أن مثل هذه الإشارة، ترضي بعض المتشددين في حكومة نتنياهو ـ ولو نسبياً ـ في حين أنها تتعاطى بعقلانية مع المعارضين لاجتياح القطاع من أمثال وزيرة العدل ليفني أو وزير المالية ليبيد.
بعد خمس ساعات من هذا التسريب، عمدت القناة الإسرائيلية الثانية، إلى بث إشارة أكثر وضوحاً، وهو قرار بالعودة لنسف منازل قيادات وكوادر حركة حماس، بالتوازي مع قرار لرئيس الحكومة نتنياهو ووزير الحرب يعلون بتوسيع العملية مع إمكانية الدخول في عملية برية، قد تؤدي إلى دخول الجيش الإسرائيلي واحتلال القطاع، وربما الخروج منه فيما بعد. هذه أيضاً رسالة مضلّلة، وتهدف إلى التأكيد على أن العملية المستمرة الآن تهدف إلى ما هو أبعد من "رد الفعل" لتحقيق معادلة جديدة، الأمر الذي يفرض على الجانب الفلسطيني التخلي عن اشتراطاته التي حملها المبعوث الأمني المصري إلى إسرائيل في سبيل الحصول على تهدئة جديدة، من هذه الشروط التي وضعتها "حماس"، الإفراج عن الأسرى الذين أفرج عنهم ضمن صفقة شاليت وأعيد اعتقالهم، والإفراج عن نواب الحركة الذين تم اعتقالهم في الآونة الأخيرة، "حماس" عندما طرحت هذه الشروط قرأت في الرسائل الإسرائيلية، على ضوء الخلافات داخل "الكابينيت" الإسرائيلي أن نتنياهو ليس في وارد الإقدام على عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، خاصة وأن هناك انتفاضة، أو بوادر انتفاضة في القدس وفي مناطق المثلث في مناطق 48، إضافة إلى صورة إسرائيل الأكثر وضوحاً ككيان عنصري بعد اغتيال الفتى محمد أبو خضير بعد حرقه حياً، كل تلك الإشارات، ربما قرأتها حركة حماس على أساس أن نتنياهو المرتبك، ليس في حاجة إلى القيام بعملية واسعة في مثل هذه الظروف، الأمر الذي دفعها إلى تلك الاشتراطات، التي لا يمكن لنتنياهو تحت أي ظرف، تلبيتها، خاصة وأنه متهم من قبل معظم المقربين والخصوم، بالتردد وعدم القدرة على إدارة شؤون الدولة العبرية في اللحظات الحاسمة.
إضافة إلى الأهداف المتعلقة بالميدان، فإن إقدام إسرائيل على الإعلان عن توسيع العملية العسكرية في قطاع غزة، جاء بعد نشر "معاريف" لاستطلاعات الرأي الإسرائيلي، وبنتيجة هذا الاستطلاع فإن قرابة نصف الإسرائيليين ضد اجتياح قطاع غزة، ومعظم هؤلاء، يريدون الإبقاء على سلاح الجو الإسرائيلي سيد الميدان، الأهم في هذا الاستطلاع أن الجمهور الإسرائيلي يعتبر أن رد إسرائيل على الصواريخ المنطلقة من غزة، كان ضعيفاً، ويبدو أن المستوى السياسي ـ الأمني الإسرائيلي أخذ معطيات هذا الاستطلاع بالاعتبار، متخذاً قرارات حول توسيع العملية الحربية بالتوازي مع تزايد حدة وجدية الاستهداف من خلال عمليات الاغتيال التي طالت عدداً متزايداً من الكوادر المقاتلة، في وقت تسرب وسائل الإعلام الإسرائيلية بحث القيادة الإسرائيلية لاستدعاء 40 ألف جندي من الاحتياط.
ومقارنة مع حربين سابقتين شنتهما إسرائيل على قطاع غزة، فبعد يومين من بدء عملية "الصخرة الصلبة" كما أطلقت عليها إسرائيل، تعتبر هي الأقل تدميراً وضحايا، إذ كانت إسرائيل تبدأ الحرب باستهدافات يكون ضحاياها أعداداً كبيرة من الشهداء، إضافة إلى قصف متواصل وبلا انقطاع بهدف ومن دون هدف، خلال اليومين السابقين، رغم العدد المتزايد من الشهداء والخسائر، إلاّ أن المقارنة مع الحربين السابقتين تشير إلى أن هذه المرحلة، لا تزال مرحلة "عض الأصابع" والتعرف على قدرات كل طرف وإمكانياته ونوعية أسلحته، ومدى تلاحم الجبهة الداخلية، وموقف الرأي العام الداخلي والخارجي، وهي حسابات لا بد منها لاتخاذ القرارات الصعبة والمصيرية لكل طرف من الطرفين.
وحتى الآن، تبدو هذه الحرب وكأنها تقع في كوكب آخر، ليس هناك ردود فعل تتناسب مع مدى الإجرام الذي تمارسه دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، إذ لا يمكن للقوة الصاروخية المحدودة قياساً بما يملكه الجيش الإسرائيلي، إلاّ أن تشكل أداة للمقاومة التي فرضت علينا، مع ذلك، لم نسمع موقفاً عربياً جدياً، لا على المستوى الرسمي أو على المستوى الشعبي، أي رد فعل يمكن له أن يؤثر على مجرى الأحداث وفي سبيل وقف المجزرة التي بدأت تتضح في قطاع غزة، ردود الفعل الباهتة من شأنها تشجيع الاحتلال الإسرائيلي على الإقدام على مزيد من الفظائع، بل وتمنحه تأييداً للاستمرار في سلوكه الوحشي، ويظل الشعب الفلسطيني وحده في الميدان في معركة فرضت عليه، ولا يجدر به سوى المقاومة باعتبارها وسيلته الوحيدة في ظل هذه الظروف!!