أخر الأخبار
المثلية أم الهبوط
المثلية أم الهبوط
الهبوط بمعنى الشذوذ هو ارتكاب أقبح سبل الفاحشة, وهو خروج وانقلاب على الفطرة السليمة التي أودعها الله جل شأنه في فطرة خليفته في الأرض , وهو انحدار حاد وخسران وفقدان للمرتبة الكريمة التي حقها الله تعالى للإنسان على سائر مخلوقاته عندما كرمه وخلقه بيده ثم أمر ملائكة قدسه بإن تسجد له , ليختار هذا الهابط الشاذ من بعد مرتبة الرفعة والعزة مرتبة وضيعة دنيئة أقل من مرتبة الحيوان مصداقا لقوله تعالى : " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا " الفرقان :44 .
وإن أول من أنقلب على سبل الفطرة السليمة واستبق قصب السبق بارتكاب واستحداث هذه الرذيلة الشنيعة هم قوم لوط عليه السلام , ولما نصحهم أخوهم لوط ـ والأخوة تستوجب النصح والارشاد ـ بترك هذا الصنيع الشنيع وذكرهم بما جبلت عليه الفطرة السليمة التي فيها يحصل التكاثر والامتداد , استعصوا عليه وتكبروا وتمادوا في ارتكاب المعصية واستمسكوا بعرى الثبوط وانحدروا بشدة في زاوية السقوط , وانقلبت لديهم الموازين حتى أصبحت الطهارة ذنب يستحق المعاقبة , والرذيلة عرف وإلف لا يرى به أي بأس.
وعندما تستعلي شهوة الشذوذ على عقل الإنسان ويكون الانقلاب على هكذا منوال تفتقد القيمة الشعورية التي هي في تقوى القلوب , عندها لا تجد في القوم رجل رشيد يعي نصح الرسول الكريم فيعقبه ويعينه على نصح قومه تارة وزجرهم بترك ذاك الصنيع الشنيع تارة أخرى.
وعند هذا الحد يحق القول الفصل وتتدخل العناية الإلهية ويحق العذاب وتأتي العاقبة القاصفة المستأصلة المناسبة للانقلاب على سبل الفطرة السليمة , فيمطرهم ربهم بحجارة من سجيل مسومة , ويقلب قراهم عاليها سافلها , وينجي رسوله الذي في الأمس استنصره وأهله معه ويستثني من أهله أمرأته التي كانت موافقه لقومها على سبل الفاحشة , وتسدل من بعدها الستارة ويستبقى مكان القرى شاهدا وعبرة وتذكرة خالدة مركوزة في وجدان وشعور أصحاب النفوس السليمة من الأجيال القادمة.
وهكذا وعلى الرغم من عظم العقوبة الماحقة ومع طول الأمد وظهور الغفلة بمر الدهور وكر العصور إلا أن ممارسة تلك الرذيلة (الفاحشة) لم تنقرض للأبد فتعود من جديد فتظهر وتمارس عند أصحاب فئة قليلة من أصحاب القلوب الوضيعة تحت سيطرة الشهوة المدنسة وتحت تأتير وسوسة وتزيين الشيطان , لكن هذه المرة جاءت لتمارس في السر لا في العلن حتى لا يطالهم عار الخزي والشذوذ. وبقي هذا الحال على هذا المنوال حتى طال عهد تنحية الإسلام عن خلافة الأرض في الحقبة الماضية القريبة وتولى زمام القيادة الأمة الكافرة فعادت أصحاب القلوب المريضة التي اعتادت ارتكاب الفاحشة في السر تقلب في ثغرات القوانين الوضعية لتخرج من دائرة الصمت وتصدع بما يخالج انحراف سريرتها فتطالب بالحرية الشخصية على اتيان تلك الفاحشة تحت مظلة حقوق الإنسان . فكان أن سهلت وقللت من مخاطر تلك الفاحشة المدمرة , وعللت أسبابها بطبيعة الجينات المختلفة عند الإنسان مع العلم أن العلم قد أثبت بطلان تلك الدعوى وردها على أصحابها ومروجيها . ثم بعد ذلك قام الشواذ بتحريف الكلم عن مواضعه واستبدلوا الأسم الشنيع لهذه الفاحشة بأسم آخر هو المثلية . والمثلية بالمعنى الدقيق لا تطابق مبتغى تلك الفئة الباغية , فالمثلية تعني التماثل والمشابهة بين الأشياء , وهي في الإنسان المكرم نوعان الأول ذكر والآخر انثى . وفي المادة ايضا نوعان سالب والآخر موجب . وإذا ما امعنى النظر في هذا المسمى نجد أنه ضد فكر الشواذ ولا يتوافق مع مبتغاهم وصنيع فعلتهم , فالموجب مع الموجب وكذلك السالب مع السالب في المادة يحدث فيهما التنافر عند التقارب. بينما تقارب السالب مع الموجب يحدث به التجاذب, والتقارب والتزاوج في الإنسان حينما يكون متماثلا ينفر منه أصحاب الفطرة السليمة, ويكون محمودا ومرغوبا حينما يكون بين الذكر والأنثى , ومخزي ومذموما حينما يعاكس سبل الفطرة القويمة .. وتبقى الفطرة السليمة هي السبيل الوحيد لامتداد الإنسان على ظهر هذه البسيطة .. ثبتنا الله على طريق الإيمان ,وكفى البشرية شر هذا الامتحان.