لم يبق لمجلس الامن الان سوى قضايا العرب, ولعلنا نستحق طرح السؤال: لولا أوضاع فلسطين, وسوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان.. هل كان مجلس الامن سينعقد بكل هذا الالحاح؟ وهل كان سيصدر كل هذه القرارات, وبيانات الرئاسة؟!
كنا نتابع انشغال الصحافة العالمية خلال الاسبوعين الماضيين, فوجدنا أن العالم كان مشغولاً بنتائج مباريات كرة القدم في البرازيل. وتحليل خسارة فريقها الشهير بهذا الشكل المهين أمام الفريق الالماني, وكان مشغولاً بطرد برلين للجاسوس الاميركي في السفارة بالعاصمة الالمانية, وانزعاج الحليف الاوروبي القوي من ظاهرة التجسس الاميركي على الصناعة, وعلى هاتف المستشارة الشخصي, وكان مشغولاً باجراءات بريطانية اقتصادية تجعلها ابعد عن القارة الموحدة.. فبريطانيا تستفيد من الوحدة الاوروبية ولكنها تفضل البقاء خارجها..
الوحيدون الذين يفاجئون العالم كل يوم بمذابحهم, وحروبهم, وربيعهم, واحزابهم, وارهابهم هم العرب وحدهم.. واذا كان على أحد ان يشاركهم في هذا «الامتياز» فهم الشركاء المسلمون في افغانستان وباكستان والصومال وبورما والصين.
مرة, لاحظ سمو الامير الحسن ان اللاجئين الذين يملأون الاعلام الدولي بملايينهم وجوعهم وتشردهم هم اللاجئون المسلمون.. حتى في اوروبا ايام حروب يوغوسلافيا الاهلية. واذا احصينا الان اكبر كتل اللجوء في العالم لوجدنا أن السوريين والفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين هم الكتلة الاكبر.
-والسؤال الان: لماذا العرب؟ لماذا المسلمون؟
-هل نريد ان نضع على ظهر «المؤامرات الاستعمارية» كل هذا البلاء, ونرتاح من الجواب الصعب؟
لقد اعتدنا حتى الان, ومنذ قرن من الزمان ان ندير وجهنا عن الدور العربي في كوارث العرب, والدور الاسلامي في كوارث المسلمين!! وحين كنا نسمع عن «تقسيم الهند» ومذابح الهندوس والمسلمين, كنا نعتقد أن تأسيس باكستان الشرقية والغربية هو كسب لنا وللمسلمين في هذا العالم. وحين وقعت الواقعة بين البنغاليين والباكستانيين.. وانفصال بنغلادش والحرب الهندية - الباكستانية بسبب الحرب بين الاخوة المسلمين, ولجوء عشرة ملايين بنغالي الى الهند, كنا لا نحب أن نرى الاسباب, وكنا منشغلين «بعالم الحسم» الذي يواجه الضباب.. وتأجيله الى اكتوبر, وحربها التحريكية.
وبعد باكستان وتقسيم الهند وقعت مباشرة كارثة تقسيم فلسطين وحركة اللجوء الكبرى التي لم تعرفها المنطقة من قبل!! وجاءت الحرب على «الارهاب».. بحرب على العرب والمسلمين.. في العراق وافغانستان!! وجاءت موجة الربيع العربي فصارت الحروب تحمل طابع البشر والفرح تدمير الانظمة الفاسدة والمستبدة, فبدأنا في تونس, ثم في مصر, ثم في اليمن.. ثم في سوريا وليبيا. وبدل تدمير الانظمة الفاسدة المستبدة دمرنا اوطان, وشعوب, وكيانات قائمة واستبدلناها بداعش, والنصرة, والاخوان, والعسكر الجدد, وصار الناس يحملون علناً اعلام الاستعمار الديني الايراني.. وصار الدين الاسلامي المنفتح, النقي, المتحضر مختطفاً في أيدي جماعات تقتل باستمتاع, وتنهب باستمتاع, وتدمر كل شيء باستمتاع. فالدين ليس افيون الشعوب, وانما صار ادماناً وغياباً مطلقاً عن الواقع والحياة والتحضّر!
هذا الذي يجري للعرب والمسلمين هو من صنع ايديهم. وحتى لو اراد المستعمرون ان يسمموا هذه الامم.. لعجزوا عن هذا الاتقان الذي نسمم به أنفسنا!