أخر الأخبار
الأردن .. بعض من حكاية الصبر
الأردن .. بعض من حكاية الصبر
على مدار أكثر من مئة عامٍ، ومنذ تشكل هذا الوطن الكريم، برسالته، وبشرعيته، ومشروعيته، وملوكه الهاشميين، وشعبه الكريم، مدرك لما يحمله من مسؤوليةٍ، بأنه على ثغرٍ من ثغور أمتنا العربية، والإسلامية.
والأردن، تأسس وهو مدرك لأنه امتدادٌ طبيعي لمشروعٍ كبيرٍ، يحمل في مضامينه، المعدن النقي، معدن الحُكم العربي، بامتداده الشرعي، ومشروعيته، لذا فقد كانت الجغرافيا في هذا الوطن مسألة ثانوية، على اعتبار سمو الرسالة، وقيمها، وغاياتها، ومراميها، بأنّ هذا الوطن للعرب جميعاً.
فمنذ مرّت جيوش النهضة العربية عبر مدنه وحواضره، التحق بها أبناء هذا الوطن الكريم، مدركين، بأنّ نضالات العرب، قد توجت في هذه النهضة، وبأنّ قادتها الهاشميين، هم حملة التأسيس لنهضةٍ عربيةٍ جديدةٍ، بعد أنّ غاب العرب عن الفعل التاريخي لأكثر من سبعمئة سنةٍ، ومن هنا يجب أنّ ندرك أهمية هذه النهضة العربية، التي أسست خطاب الأردن المعاصر.
واليوم، ما يزال الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، يقود هذا الوطن، بذات المبدأ، رغم التحولات التي تحيط بنا وبتسارع، لربما لم يكن كثيرون يتوقعوه، ولكنها حكمة ملوك بني هاشم، الممزوجة بالمبدأ وبالصبر والمرابطة، لأجل الإنسان وبناءه، ولأجل الرسالة الممتدة، منذ زمان الرايات العربية الخالصة بعروبتها، وحتى اليوم، أو وحتى آخر راياتها في عمّان، وستبقى – بإذن الله- وبهمة الأردنيين الصابرين هذه الراية خفاقة، لا يغيرها تبدل الأحوال من حولنا، أو الظروف الصعبة التي تمر بها أمتنا، أو التحولات التي ما تزال تحيط بنا، وهي تحولات عميقة، وقد أوغلت في السنوات الأخيرة، وباتت أصعب، خاصةً مع صعود "اليمينيين" من كل حدب، ومحاولات "المارقين" من أيّ صوب، وعلو نبرة خطابهم، الذي يبقى صدىً لا أثر له أمام هذا الوطن الأصيل، بملوكه، وبخطابه، وبرسالته، وبتاريخه.
والحديث اليوم عن الأردن، وظروفه، وما تمر به فلسطين اليوم ومقدساتها، ولكن، السؤال، منذ متى كانت الأمور والظروف تمر بغير تحولاتٍ، وتبدلاتٍ، الثابت الوحيد فيها، الأردن ومواقف ملوكه، ومبدأهم الذي كان، وما يزال، وسيبقى راسخاً.
ومن بين ما نقرأ في هذا الإرث الموصول، خطاب الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه) مع انتهاء إعمار قبة مسجد الصخرة المشرفة، عام 1994م، وقوله: "إنّ التجربة التي تمر بها الأمة صعبة ومخاضها عسير، ولا خلاص إلّا بالحرية، والتضحية والوعي والرؤية الواضحة، آنذاك يكون لنا أن نستوعب حركة التاريخ بروحٍ جديدةٍ، ونزرع في الأجيال أملاً عظيماً بالبعث والنهضة والمعرفة والقوة، ونتطهر من خطايا الضغف، وخطط الاستعمار، ولوثة النفط، وضلال الاستبداد...".
ويومها، حيّا الملك الحسين القدس، قائلا: "وللقدس الحاضرة في الروح أبداً ألف تحية وسلام، القدس التي لا يستقيم أمر الدنيا لو غابت ، فهي ذاكرتها ومحرابها، وجامعتها، ورؤاها الخضر، وعهدتها العمرية، وصوت حريتها العظيم وسلامها العادل الكريم، وسنستمر ننبه ثم نقاوم كل محاولات العبث بمقدساتنا الإسلامية، في أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين بخاصة، وفي عالمنا الإسلامي بعامة.. وسنقاوم أيّ تغيير في معالمها تحت حجج زائفة من الإصلاح أو التوسعة أو التحديث أو تحت أيّ شعارٍ آخر".
إنّ التاريخ وحاضر هذا البلد، وسيرة ملوكه، كيفما وأينما تأملت فيها، تجد فيها تختزل سيرة الأمة، وتروي حكاية صبرها، وثباتها على المبدأ، حمى الله الأردن الهاشمي عزيزاً، كريماً، وأدام عز مليكه المفدى.