أخر الأخبار
مهاجرون تحت الصفر
مهاجرون تحت الصفر
اجتاحتني بهجة مثل غيري من “أهل العروبة” حين فاز المنتخب المغربي على نظيره البلجيكي في مباريات المونديال الحالي في قطر.
لكن، البهجة سرعان ما تبخرت واجتاحني شيء من الرعب على أسرتي حين تواردت الأخبار عن أعمال عنف في وسط مدينة بروكسل، لعلمي أن زوجتي وابنتي تواجدتا بالصدفة في منطقة قريبة من تلك الأحداث، ولم أشعر بالاطمئنان إلا بعد تأكدي أن الأسرة صارت بعيدة عن منطقة التكسير والتخريب والاعتداءات في العاصمة البلجيكية.
ما بعد الأحداث “المؤسفة والغريبة” في بروكسل، دار جدل كبير عن مفارقة أن يقوم بعض من مشجعي فريق منتصر بالتعبير عن فرحهم بعنف وغضب قابله تدخل أمني من الشرطة البلجيكية، والمؤسف أكثر هي محاولات التبرير العاطفي لهذا العنف الكامن هناك.
حين يحزم عربي ما حقائبه وأمره ورأسه، ويتوجه مغترباً ومُتغرباً ثم مهاجرا، فإنه في الحقيقة ورغم كل الأميال التي تفصله جغرافيا عن عالمه العربي، يبقى أسير ماضيه ورهين ثقافة انغلاق فيرفض أن يفتح ثقافته الثرية كما يستنكف أن يكون منفتحاً على ثقافات غيره.
الأوروبيون تكيفوا مع هذا الواقع العربي، وقرروا ترك تلك الأحياء للعرب، وأنا شخصيا أعرف أحياء كاملة في قلب بروكسل لا يسكنها البلجيك، وقد غادروها منذ زمن طويل، بل إن قوات الشرطة التي فيها من أجل تحكيم النزاعات – وما أكثرهم – هم من أصول عربية وأغلبهم من الجيل الثاني والثالث.
للهجرة قوانينها إلا على بعض العرب، فهم قادرون على تطويع قوانين الهجرة حسب مواصفات ومقاييس تتلاءم وعُقد الخيبة والانكسار التي تحملها ذواتهم، ومن ذلك عدم احترام ثقافة الآخر.
التعميم في النموذج السلبي بالمطلق قد يكون تجنياً في غير محله، لكن ما نتحدث عنه في حادثة بروكسل الأخيرة هو السمة السائدة في قارة تحولت خصومتنا التاريخية معها من عداوة لدودة إلى صداقة لدودة!
المفارقة المذهلة أن مجموع الشباب في العالم العربي، منفتح بفارق نسبي أكبر من جيلين من أصول عربية ولدوا ونشأوا في أوروبا، مع الانتباه أن بعض العرب من مهاجرين جدد حققوا قصص نجاح تثير الإعجاب في تحقيق المعادلة الصعبة بالاندماج والانفتاح والتشابك الاجتماعي والثقافي مؤثرين ومتأثرين بالأفضل.
نعم، فإن التطرف العنصري موجود في أوروبا ولم ينته يوماً، لكنه كان قاصراً على جيوب «منبوذة» من الأوروبيين أنفسهم، لكنه في السنوات الأخيرة، وكرد فعل على سلوكيات غير محمودة من قبل بعض العرب صار ظاهرة تتوسع وتنتشر، والتطرف لا ينمو ويتغذى إلا على تطرف مثله ويقابله.
قبل فترة من الزمن، بدأ هناك تصاعد سلبي في مجتمعات أوروبية استطاعت أن تؤسس لمنظومة قيم حقوقية وإنسانية فريدة في التاريخ البشري، وصلت ذروتها ثم بدأت هي نفسها بالتحول إلى تطرف “نيوليبرالي” متعصب يعصف بالقيم والثقافات بلا هوادة، وهو ما قابله يمين أوروبي محافظ لا تختلف قيمه الاجتماعية كثيرا عن قيم الثقافة المشرقية المحافظة.
ورغم ذلك.. فإن العربي المنغلق على نفسه، والذي حزم رأسه وأمره مع حقائبه، يصر على أن أوروبا تستهدفه وثقافته، وأنه ضحية مؤامرة هدفها القضاء عليه! وبمنطق الاستباحة «الشرعية» يعمل جهده هذا العربي في كل ما يخالف القانون، والقوانين هنا هي محصلة رأي الأغلبية، في ديمقراطية حقيقية مظلتها المؤسسات والقانون واحترام الرأي الآخر.
ما حدث في بروكسل ذلك اليوم عشية تلك المباراة، لم ينته بعد، وتداعياته سنقرأها نتاج انتخابات قادمة في بلجيكا وباقي دول أوروبا.