أخر الأخبار
دكانة «إسرائيل» وترمس نتنياهو!
دكانة «إسرائيل» وترمس نتنياهو!
لم يكن يخطر على بال الباشا حسين المجالي بأن الوصف الذي أطلقه قبل عدة أيام في نفي صفة الضعف عن الدولة الأردنية بقوله (الأردن ليس دكانة لبيع الترمس)، سيصبح مثلا ومعيارا يُستخدم لقياس قوة الدول والأنظمة السياسية في الإقليم والعالم حتى لو كان ذلك من زاوية الفكاهة السياسية، كما لم يكن في باله ولا في بال الكثيرين من أن مثل هذا الوصف بات ينطبق إلى درجة كبيرة على دولة الاحتلال بعد أن حقق اليمين المتطرف فيها الأغلبية في الانتخابات الأخيرة وبات نتنياهو مجرد دمية في أيدي ايتمار بن غافير وسموتيريتش واريه درعي وغيرهم من غلاة العنصريين الفاشيين.
تتفاعل داخل معدة دولة الاحتلال عمليات طحن غير مسبوقة بين مكونات تلك المعدة التي باتت تعاني من سرطان التناقض البنيوي الحاد بين تيار الصهيونية العلمانية الذي ينتمي له أغلبية رجال تلك الدولة من سياسيين وعسكريين وبين تيار الصهيونية الدينية الذي أخذ ينمو منذ عام 1977 بشكل كبير بسبب الرعاية التاريخية لهذا التيار من قبل حزب الليكود ودعم التوجهات العامة لهذا اليمين سواء داخل «إسرائيل» نفسها أو تجاه الفلسطينيين عبر سياساته العنصرية اللا أخلاقية للدرجة التي أصبح فيها اليوم هو صاحب القرار الأول والأخير داخل تلك الدولة.
يصف يائير لبيد رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ما يجرى في «إسرائيل» حاليا بالصراع ويقول في مقال له نشر في «هآرتس» الجمعة الماضية «نحن في صراع»، ويشخص هذا الصراع بالقول: (.. هناك جدولان زمنيان يتسابقان مع بعضهما البعض–قدرتنا على النضال في مقابل قدرتهم على التدمير. قد تأتي لحظة في المستقبل القريب، يصبح فيها الضرر كبيراً لدرجة أنه لا يمكن العودة عنه إذا لم تسقط هذه الحكومة فلن يكون في إمكان إسرائيل أن تكون دولة ديمقراطية ليبرالية)، ويذهب إلى وضع التصور النهائي في حال انتهاء هذا الصراع بانتصار اليمين الديني المتطرف قائلا: (... في النهاية، ما سيجري هو: بطاقة سفر، تحويل أموال، ورقة تطلب من السمسار بيع المنزل. هناك دول حدث فيها ذلك، مثلاً كولومبيا. فقد استيقظت النخبة هناك ذات يوم لتدرك أن الأمور لم تعد على ما يرام، فانتقلت بهدوء إلى ميامي، لم ينتبه أحد إلى ذلك، إلى أن انهارت الدولة بسرعة تخطف الأنفاس...).
لاحظوا ماذا قال... (انهيار الدولة) كلمة يتفوه بها رئيس وزراء سابق بكل بساطة وبدون تردد وهو أمر في غاية الخطورة يعكس عمق الأزمة البنيوية التي باتت تعيشها دولة الاحتلال، وعند مناقشتي لأحد رؤساء الحكومات السابقين للوضع الإسرائيلي قال: (هذا ما نريده، لندعهم يتصارعون ويتقاتلون ونتفرج، وعلينا أن لا نرمي لهم حبل النجاة، وعندما سألته ماذا تقصد بحبل النجاة؟ قال وبلا تردد لا نريد صواريخ ل «حماس» أو «الجهاد»، فهذه تنقذ نتنياهو واليمين وتعيد صهر التنافضات داخل ذلك الكيان).
أما رئيس حكومة الاحتلال الأسبق ايهود بارك لم يجد هو الآخر وصفا لما يجري بين المعسكرين في داخل الكيان وهما التيار الصهيوني العلماني والتيار الديني الحريدي، لم يجد إلا مصطلح «صراع»، ويقول في مقال له نشر نهاية الأسبوع الماضي في صحيفة يديعوت أحرونوت تحت عنوان (الصراع بدأ وسيكون طويلا وسننتصر) إن هذه الحكومة برئاسة نتنياهو يجب أن تسقط لأنها تريد تغيير هوية الدولة ونسف دعائمها «الديمقراطية»، وغلبت على مقال أيهود بارك المصطلحات ذات الطابع العسكري مثل الحرب والنصر وكأن ما يتحدث عنه من صراع داخلي هو حرب حقيقية بدات للتو داخل هذا الكيان.
إن أكبر خطر يهدد أي دولة ويحولها «لدكانة» هو غياب الوحدة الوطنية وتشرذم البنية المجتمعية فيها ويجعلها هشة، وهذا ما تعيشه اليوم «الدكانة الاسرائيلية»!