أخر الأخبار
دبلوماسية أردنية صلبة
دبلوماسية أردنية صلبة
كان لحادثة اعتراض السفير الأردني في تل أبيب، من قبل شرطة الاحتلال، خلال دخوله إلى المسجد الأقصى، دلالاتٍ هامةٍ، من جهة التعاطي الأردني معها، بشكلٍ صلبٍ يؤكد على ألّا تهاون حيال الوصاية الهاشمية، وأدوارها، ومتابعة يومياتها، والتأكيد على أنّ هذا الدور التاريخي، والقانوني، هو دور عابر للمتغيرات، سواءً أكان منها ما هو متعلق بالشأن الإسرائيلي، أم الإقليمي، وحتى الدولي.
فحادثة اعتراض السفير، وما تبعها من ردٍ أردنيٍ حازمٍ، وبأعلى درجات المسؤولية الدبلوماسية، حيث جرى استدعاء السفير الإسرائيلي في عمّان، والذي نقل بدوره رسالة احتجاجٍ شديدةٍ لحكومة نتنياهو.
هذا التحرك الدبلوماسي، تبعه وخلال ساعاتٍ قليلةٍ، تجول السفير الأردني في باحات المسجد الأقصى، ومتابعة عمله بالتنسيق مع إدارة الأوقاف الإسلامية، ومديرها.
فهذه الحادثة تحمل العديد من الدلالات التي تؤكد أنّ ما تم التحذير منه قبل مجيء حكومة نتنياهو، يشير إلى أنها ذاهبة إلى سبلٍ من التصعيد، وافتعال الأزمات، في محاولةٍ منها للفت النظر عما تمر به من أزماتٍ، تتمثل بعدم التناغم بين مكوناتها، التي تتشكل بين أقصى اليمين، واليمين، بالإضافة إلى إدراكها أنها تواجه موجة احتنجاجاتٍ غير مسبوقة، حيث بلغ عدد المتظاهرون ضدها الأسبوع الماضي حوالي المئة ألفٍ، من معارضي توجهاتها.
كما تتحضر هذه الحكومة، إلى موجة احتجاجٍ جديدة يوم السبت المقبل، ويتم تحشيد الآلاف ضد سياساتها، ومحاولاتها الذهاب إلى نزعةٍ يمنيةٍ تحاول العبث ليس بالداخل المحتل، وبنيته وحسب، بل والعبث بالأوضاع القانونية والتاريخية القائمة، والتي ما تزال تنتظر حلولاً وعلى رأسها حل الدولتين، كما تواجه هذه الحكومة بداية انهيار، مع قرار المحكمة العليا إبطال صحة تولي الوزير فيها آريه درعي لمنصبه، فهي مأزومة وعاجزة عن التعاطي مع أي ملف، في ظل حملها لعوامل انهيارها.
وأمام محاولات تصدير هذه الأزمات، افتعلت هذه الحكومة مع الأردن، وخلال أسابيع قليلة مشكلتان دبلوماسيتان، حيث تم استدعاء سفيرها لمرتين، مع اقتحام بن غفير المتطرف لباحات الأقصى، ومع حادثة السفير.
وحيال هذه الأزمات التي تفتعلها هذه الحكومة، فقد كان الرد الأردني حازماً، ومضى ضمن قنواتٍ دبلوماسية، تؤكد من جديد أنّ أدواره وخياراته، وإنّ كانت متدرجة، إلّا أنها صلبة، ولا تعتمد على الفعل وحده، وإنما على رد الفعل، فلم يتمهل الأردن بانتظار الرد الإسرائيلي، وتحديداً رد هذه الحكومة، بل أكد على دوره بدخول سفيرنا إلى باحات الأقصى، وممارسة يومياته.
إذن، هي دبلوماسية صلبة، تؤكد أنّ الأردن الذي خبر التعامل مع نتنياهو بما يحمله من نوازع، وتوجهات منذ سنوات، منذ أنّ استخدم أدواته وأوراقه بالحادثة المعروفة المتمثلة بمحاولة اغتيال خالد مشعل في عمّان، والرد الأردني الحازم وقتها.
إنّ هذا الرد الدبلوماسي الأردني، يتحرك من قاعدة صلبة، تتمثل بقبولٍ دوليٍ في عواصم القرار، لما يعبر عنه من مخاوف، ولما يتخذه من قرارات، وهو يؤكد من جديد أنّ أيّ محاولة لاختبار ردود الفعل، سيكون الرد حيالها حازماً.
فالأردن اليوم في مواجهة مع سلوكيات هذه الحكومة اليمينية، وما تمثله من غرائز متطرفة، يعبر عنها ما حملت من وعودٍ وبرامج، ولكنه يتكئ على رصيدٍ إقليمي، ودولي قوي، فهو في خياراته الدبلوماسية ينظر إليه على أنه بلد له دور تاريخي، وله مصداقية كبيرة، وحضور مهم في دوائر صنع القرار، صاغته الجهود الملكية ووفرت له الضمانات بأنّ يتحرك، ويكون قادراً على الرد، وبما يضمن أنّ تصغي عواصم القرار إليه، وتدعمه في خياراته.
فبعد يومٍ من حادثة اعتراض السفير، جاء تأكيد (35) سفيراً وقنصلاً أوروبياً أكدوا وخلال زيارتهم إلى المسجد الأقصى على دعمهم للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، ووصفوا الدور الأردني أنه يمثل "الضمانة والحماية".
إننا في هذا البلد، نتحرك بأوراقٍ قويةٍ، ولنا حضور ورصيد دولي وإقليمي، وخبرة سياسية، تستند إلى حقائق التاريخ، وما بذله الأردنيون بقيادة ملوك بني هاشم.
فالدبلوماسية الأردنية بقيادة مليكنا المفدى تمضي بثقة، وهي قادرة على حماية أدوارنا، وخياراتنا، بل ولصالح الأردن فإنّ كل الخيارات متاحة.