أخر الأخبار
هل انطفأ حلم التغيير ؟ السودان نموذجاً.
×
هل أطاح الحكم العسكري في السودان بآخر أمل في انتزاع الشعب السوداني الحق في اختيار نظامه السياسي من خلال الانتفاضة والنضال السلمي؟.
كان السودان الحجر الأخير في دومينو الربيع العربي الذي أسقطت حجارته الواحد بعد الآخر بلا رحمة لتستعيد الأنظمة سيطرتها وهيلمانها بشكل سافر ومن خلال دعم بعضها البعض في مواجهة شعوب تعاني من شظف العيش والعطش للحرية إلى حد الاختناق.
من حق النظام الرسمي أن يحتفل «مؤقتاً» - من باب العزاء - بفوزه على انتفاضات وثورات شعوبه. وكان العنصر الأهم في «انتصاره» المؤَزَر هو البرهنة على «استحالة» التغيير، ليس هذا وحسب بل وبوسم أي محاولة شعبية للتغيير بمؤامرة يحيكها الغرب الإمبريالي ودولة الاحتلال الإسرائيلي ضد مصالح الأمة وشعوبها، وفقاً لهذه الأحجية الذي يتشارك فيها ممانعون يساريون وقوميون من خارج الأنظمة، فإن الإمبريالية ونظامها الاستعماري التي لا يعلم إلا الله متى ستستمر على قيد الحياة، فإن أي مطلب بالتغيير يعد مؤامرة يجب سحقها بقطع النظر عن علاقات التبعية أو التطبيع القائمة أو المحتملة لتلك الأنظمة مع دولة الاحتلال ودول الغرب.
اعتقَد أركان النظام العربي أن مؤامرة الربيع العربي صُدت في البحرين وسورية واليمن وأوصدت الأبواب أمامها في ما تبقى من بلدان. لكن المفاجأة حدثت مع بداية موجة جديدة من الربيع في السودان والعراق والجزائر ولبنان، وللأسف صُد المنتفضون في هذه البلدان بالاحتواء والقمع أو بالإثنين معاً وأعيد بناء أنظمة السيطرة من جديد، بمثل ما صُدت الانتفاضة الفلسطينية الأولى العام 1987 من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، وجرى الالتفاف على أهدافها ومطالبها بالقمع والاحتواء أيضاً.
لماذا أخفقت الشعوب العربية في ربيعها الذي طرح مطالب مشروعة ومستحقة كما لم تخفق شعوب أوروبا الشرقية ؟
يمكن عزو الإخفاق إلى رفض الأنظمة العربية المطلق لمطالب شعوبها فضلاً عن قمعها للانتفاضات بكل ما أوتيت من خبرة القمع المستدام.
ويعود رفض المطالب وقمع المطالبين بها إلى نمو مصالح وتحويل البلد إلى مزرعة خاصة بالشريحة والأسرة الحاكمة في هذا البلد أو ذاك فضلاً عن احتكار السلطة، ووضع أساس لتوريثها أو تقاسمها بين مراكز القوى، وما يقتضيه ذلك من تكريس نظام مستبد يحظر الاعتراض والمعارضة، وفي أحسن الأحوال يستأنس ويدجن المعارضة، وليس من مصلحته وجود ديمقراطية واعتماد استراتيجيات تنمية اقتصادية وبشرية كونها تقلل من أرباحه وسيطرته وتعزز منافع قطاعات شعبية عريضة.
طراز النظام العربي ليس مقطوعاً وصفه، فهناك ما يماثله في إيران وروسيا وجمهورياتها المتبقية وبعض الدول الإفريقية.
هذه الدول تحظر التبادل السلمي وغير السلمي للسلطة وتعتبر المطالب الشعبية بالتغيير مهددة لاحتكاره السيطرة السياسية والاقتصادية والأمنية وهو بالضبط المقصود من وراء استخدامه لأحجية «مؤامرة خارجية وعملاء داخليين» يتعاطون معها.
وهذا يفسر حدة العنف واتساع حالة الدمار التي يمارسها النظام في مواجهة مطالب شعبه، ضمن معادلة بقاء النظام أو خراب البلد وتشريد سكانه، ويفسر استمرار الحكم إلى ما لا نهاية.
قد يحدث صراع على السلطة ضمن المؤسسة العسكرية أو ضمن الطبقة التي يخدمها العسكر، فقد شهد السودان 17 انقلاباً عسكرياً منذ استقلاله في العام 1956، وشهدت سورية والعراق عدداً من الانقلابات العسكرية إلى أن استقرت السيطرة للأسد في سورية ولصدام حسين في العراق. وقد شهدت إفريقيا خمس انقلابات خلال العام 2021.
النظام السوداني قدم إجابة أكثر وضوحاً من الإجابات التي قدمتها الأنظمة الأخرى، لاسيما بعد إعلان الحرب بين قوات الجنرالين، عبد الفتاح البرهان من جهة وقوات التدخل السريع التي يقودها الجنرال دقلو حميدتي، اللذين أغرقا السودان في دوامة عنف جديدة، كان أخطر ما فيها تكريس حكم العسكر بقطع النظر عن المنتصر وفي حال العودة إلى تقاسم السيطرة.
أدار الجنرالان ظهرهما لمطلب قوى إعلان الحرية وانتفاضتها الشعبية بتسليم السلطة لحكومة مدنية توافقية دون عسكر وذلك استناداً لمشروع الدستور الانتقالي.
وكان البرهان ومجلسه العسكري قد تراجع عن تقاسم السلطة مع المدنيين تمهيداً لانتخابات حرة وقام باعتقال كل القادة المدنيين من وزراء وسياسيين، وواصل قمعه للمنتفضين الذين استمروا في انتفاضتهم.
كان الجنرالان موحديْن ضد الانتفاضة الشعبية، وقد استخدما المناورة والخداع لكسب الوقت وللإفلات من مطالب المنتفضين التي عبرت حقيقة عن مصلحة السواد الأعظم من الشعب السوداني.
وإذ نجح العسكر في إيجاد استقرار داخلي نسبي رغم حرب الإبادة في دار فور وحرب القبائل في أكثر من محافظة غير أن المعادلات الخارجية أخلت بالاستقرار النسبي.
بدأ حين قبل العسكر بإبرام اتفاقية «سلام» مبتذل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ومعروف أن السودان لا تحارب إسرائيل وبعيدة عنها كل البعد.
«سلام» مقابل فك العقوبات الأميركية والدولية عن النظام المتهم بدعم الإرهاب وباقتراف جرائم حرب.
الاتفاقية أحدثت شرخاً بين النظام والشعب السوداني عندما دفعت النظام للاستقواء بإسرائيل وأميركا كبديل للتنازل أمام شعبه، ودول الخليج التي قدمت الأموال لتعويض ضحايا النظام الأميركيين، ولم تقدم المساعدة للشعب السوداني الذي يقع أكثر من ثلثه تحت خط الفقر وترتفع فيه نسبة البطالة وتسوء المعيشة والحالة الصحية.
وفي سياق صراع العسكر على السلطة والموارد بدأ الجنرالات مرحلة البحث عن شركاء خارج السودان، والاستثمار في الحروب الخارجية. فقد شارك نظام العسكر السوداني في الحرب اليمنية مع قوات التحالف السعودي، وشاركوا في القتال إلى جانب الجنرال حفتر.
وسمح العسكر لدول الخليج بالاستثمار الزراعي في مناطق شاسعة داخل السودان. وأبرموا صفقة مع مجموعة فاغنر الروسية يتم بموجبها تأمين الحماية لشركة روسية تابعة لفاغنر لاستخراج الذهب وتهريبه خارج السودان.
وتسعى روسيا إلى تدشين قاعدة عسكرية في بور سودان، الممر البحري بالغ الأهمية على البحر الأحمر.
كما يلاحظ، فاقمت المعادلات الخارجية الصراع بين الجنرالات إلى مستوى محاولة الحسم العسكري، جالبين معهم المزيد من المصائب للشعب السوداني.
هل انتهت هذه الحلقة من الربيع العربي؟.
كما كان التقدير السابق خاطئاً، فمن المرجح ألا يكون انقلاب العسكر على الديمقراطية خاتمة المطاف.
الشعوب تتعلم من تجاربها وأخطائها، بانتظار هبوب رياح التغيير لطالما بقي الصراع يمور بين شعوب وأنظمة الاستبداد.
آخر اخبار القسم
مختارات الكاشف
- حرب مسيرات مشتعلة.. إسقاط 76 روسية و39 أوكرانية
[المشاهدات: 1]
- “خلال أيام”.. إسرائيل تتجه لوقف إطلاق نار في لبنان
[المشاهدات: 2]
- البيت الأبيض: اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان صار “قريبا”
[المشاهدات: 2]
- حرب إسرائيل الجديدة
[المشاهدات: 2]
تابعونا على الفيس بوك