حينما تسمع أن هناك تنظيما عسكريا يخطط للانقلاب على سلطة ما، ينصرف ذهنك إلى وجود سلطة كاملة في دولة، تستحق أن يُنقلب عليها، أما في حالة السلطة الوطنية الفلسطينية، فالأمر ملغز وغريب، فلا وجود لسلطة سيادية ولا لدولة، وبالتالي يصبح الحديث عن «الانقلاب» ضربا من الكوميديا السوداء، فأي عبقري هذا الذي يخطط للانقلاب على سلطة تقع تحت احتلال، يمسك بكل مفاصل الحياة فيها، ويحدد حركة رجالاتها، وعلى رأسهم رئيس «دولة» فلسطين، أو قل رئيس السلطة، محمود عباس، الذي قال ذات يوم وعلى شاشات العالم، أنه يحتاج لإذن الاحتلال حينما يسافر من رام الله أو يعود إليها، يعني شأنه شأن أي مواطن فلسطيني تحت الاحتلال، يحتاج لـ «تصريح» يخوله الخروج من فلسطين، أو العودة إليها، فكيف تستقيم أنباء الانقلاب المزعوم، مع حقائق كهذه؟
إن أي انقلاب يخطط له أي تنظيم في الضفة الغربية، يجب أن يكون باتجاه من يحكم ويرسم وهو الاحتلال الصهيوني، وليس باتجاه السلطة في رام الله، ومع هذا، وجدنا من يصدق رواية الاحتلال ومخابراته، ومنهم الرئيس محمود عباس نفسه، الذي نقل عنه في الإعلام قوله،
في محضر اللقاء المسرب بينه وبين أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني، والذي عقد قبل نحو أسبوعين في الدوحة إنه يصدق رواية إسرائيل بان حماس أعدت لانقلاب على السلطة في الضفة الغربية، «بالتعاون» مع محمد دحلان، وحسب المحضر، يقول عباس أنه قبل أسبوعين من اللقاء في الدوحة التقى رئيس المخابرات الإسرائيلي يورام كوهين في رام الله وأطلعه على اعتقال 93 من أعضاء حماس «تعتقد!» المخابرات الإسرائيلية أنهم خططوا لانقلاب ضد السلطة في الضفة!
هذا كان رأي عباس، فما رأي المخابرات الإسرائيلية بالفعل، وحسب الوثائق و»الاعترافات» التي استخلصتها من رياض ناصر أحد مسؤولي حماس في الضفة الغربية؟ باختصار شديد، وحسبما نشر كتاب الصحف العبرية ومنهم حاييم لفنسون وعاموس هارئيل في هآرتس، وبعد اطلاعهم على نصوص اعترافات ناصر، نستخلص أن حماس لم تخطط لمثل هذا الانقلاب، وكل ما في الأمر، أنها أعدت نفسها لملء أي فراغ قد ينشأ في الضفة الغربية في حال انهيار السلطة الفلسطينية!
يقول حاييم لفنسون، أن ناصر، مكث 51 يوما في غرفة تحقيق «الشباك» في المسكوبية في القدس. وقد حُقق معه تحقيقا كثيفا دون نوم تقريبا على أيدي عشرات المحققين دون أن أن يلتقي محاميه، وحينما انتهى التحقيق في ذروة العدوان على غزة سارع «الشباك» إلى إعلان أنه أُحبطت بنية تحتية أرادت «أن تنفذ انقلابا على السلطة الفلسطينية وأن تسيطر على منطقة الضفة الغربية»، وينقل عن ناصر قوله، في معرض الحديث عن خطط حماس في الضفة، إن أيام حكم السلطة في الضفة نهايتها قريبة وسينشأ بعد ذلك فراغ حماس معنية بالدخول اليه بغية تولي الحكم، ولذلك يجب عليهم في حماس أن يكونوا مستعدين في عدة صُعد للتمكن من ضبط الحكم، وكانت الرؤيا البعيدة الأمد هي الحلول محل فتح في الضفة واستكمال حكم حماس لأرض فلسطين، وفي هذه القطعة، والحديث للفنسون، كتب المحقق في السجل باسم ناصر أن الحديث عن «نوع ما من الانقلاب يشبه ما حدث قبل ذلك في غزة». لكن بعد ذلك حينما فصل الحديث بتوسع عن مراحل الخطة بين أن الهدف هو انتظار انهيار السلطة ومحاولة العمل آنذاك!
فهل هذا يعد انقلابا؟ أم أنه ليس أكثر من محاولة صهيونية لشق الصف الفلسطيني، وتدمير أي فرصة قد تعطي الحياة لحكومة الوحدة الوطنية؟