تتزايد التساؤلات والتوقعات حول مصادر التهديد التي يمكن أن يتعرض لها الأردن في الفترة القادمة نتيجة التغيرات الجذرية التي تتم في المنطقة سواء من خلال انتشار تنظيم الدولة الإسلامية أو تزايد ضغط اللاجئين السوريين أو التباطؤ الاقتصادي وكذلك وجود مسار جديد لإعادة رسم التوازنات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط.
ما بين وسائل الإعلام الأردنية والعربية والدولية والمراكز البحثية تختلف التوقعات فمنها من يقلل من مستوى التهديد وبعضها الآخر يبالغ به بشكل كبير، ربما بهدف تحقيق المزيد من النشر والشهرة. في هذا السياق لا بد من إجراء تحليل منطقي للعوامل التي تحقق القوة للأردن في مواجهة تلك التي تشكل التهديد.
بالنسبة لعوامل القوة يمكن الحديث عن أربعة عوامل أساسية. العامل الأول هو أن النظام السياسي الأردني لا يعاني من تشكيك في الشرعية بل يبدو حاليا في وضع مستقر جدا مقارنة بموجات التغيير العاصف في المنطقة. حتى في أشد فترات الحراك الشعبي سخونة لم تكن هنالك مطالبات بتغيير النظام. في واقع الأمر فإن إطلاق بعض المغامرين لشعارات طفولية وعشوائية حول تغيير النظام في المسيرة التي انطلقت من أمام الجامع الحسيني في نهاية العام 2012 ربما كانت السبب الرئيس وراء هبوط زخم الحراك فورا لأن شعارا كهذا لا يمكن احتماله أو قبوله في الأردن. في المسار المقابل تمكن النظام السياسي الأردني من تحقيق تقدم إيجابي ولا يمكن الاستهانة به في سياق الإصلاح السياسي وخاصة عن طريق التعديلات الدستورية.
العامل الثاني في القوة هو أن المجتمع الأردني بطبيعته عقلاني في السلوك الجماهيري العام وقد استفاد أيضا من مشاهدة مظاهر الدمار والفوضى التي حلت بكافة الدول العربية التي ركبت موجة “الربيع العربي” وفي نهاية الأمر أصبحت في وضع اسوأ مما كانت عليه قبل الثورات. هذا الدرس البليغ دفعته شعوب كثيرة بدمائها وكنا محظوظين إلى حد ما بأننا شاهدنا هذه التجربة وتعلمنا منها بدون دفع الثمن. العامل الثالث من عوامل القوة يعتبر خارجيا ومفاده أن الأردن وفي ظل التغيرات الجسيمة في المنقطة أصبح يحمل وزنا وأهمية استراتيجية أكبر من ذي قبل بالنسبة لكل القوى السياسية المؤثرة في العالم لأنه يمثل الواحة الوحيدة التي تحتفظ بالأمان والاستقرار ليس لشعبها فقط بل يعتبر منبرا هادئا ومستقرا لكافة الجهود التي يتم بذلها دوليا للتصدي لتداعيات الأزمات المتتالية وفي هذا السياق من الصعب جدا تخيل أن يتخلى العالم عن الدعم المقدم للأردن في هذه المرحلة. العامل الرابع في مصلحة الأردن هو احترافية مؤسساته الأمنية التي تقوم بدورها الأمني بممارسة الحد الأدنى من التدخل في الحياة اليومية للأفراد والمجتمع ما يجعلها جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة كما في دول عربية أخرى.
لكن هذا لا ينتقص من وجود عوامل تهديد لا يستهان بها خاصة تمدد تنظيم داعش في الدول المجاورة. من الصعب تخيل داعش وهي تقوم بمغامرة انتحارية للدخول إلى الأردن في مساحات جغرافية صحراوية مكشوفة وساقطة عسكريا وفي مواجهة جيش محترف ومنظم لا يمكن العبث معه. لكن في المقابل هنالك بؤر صغيرة في المجتمع تتعاطف مع فطر داعش ربما ليس سياسيا بقدر ما هو تعاطف في الطروحات الاجتماعية والدينية المتشددة وهي بؤر ستسبب الإزعاج ولكن من غير المتوقع أن تصل إلى مستوى تهديد حقيقي إلا في حال وجود دعم مالي ولوجستي من الخارج.
عامل التهديد الثاني هو عربدة إسرائيل في المنطقة خاصة في غزة والتي تسبب غضبا شعبيا عنيفا هو في الأساس موجه ضد إسرائيل ولكن يمكن أن يتم استغلاله وتوجيهه في مسارات نحو الدولة من قبل جماعات تريد ممارسة دور سياسي خطير والتلاعب في الأمن الداخلي. ثالث التحديات الرئيسة هو اللجوء السوري الذي يُنهك البنية التحتية التنموية في الأردن ويشكل خطرا على التماسك الاجتماعي أحيانا وعلى الأغلب سيستمر لعدة سنوات قادمة. أخيرا فإن التهديد الاقتصادي يبقى ملحا ويؤثر على حياة الغالبية العظمى من الأردنيين ويحتاج لسياسات حكيمة في مواجهته لا يبدو أنها موجودة حتى الآن.
في المحصلة تبقى عناصر القوة والاستقرار اقوى من عناصر الفوضى والتهديد في الأردن. الحذر واجب واليقظة مهمة جدا ولكن الذعر قد يبدو مبالغا به في هذه الفترة.