سفير لندن في عمان «بيتر ميلت» يقول إن خطر «داعش» على الأردن ليس كبيرا، كما هو خطرها في العراق، ويضيف أن الغرب يريد مساعدة الأردن لمواجهة «داعش».
كلام السفير في مؤتمره الصحفي، مهم، لكنه أيضا يقفز عن فكرة مهمة بخصوص أخطار «داعش»، إذ يتم رسم هذه الأخطار باعتبارها قد تتدفق فقط من الحدود العراقية أو السورية إلى الأردن، وهذا العنوان يؤدي فعليا إلى حث الأردن لمواجهة استباقية مع هؤلاء خارج الحدود، وهذا أمرٌ ليس سهلا.
إذا كانت هناك نية لمساعدة الأردن فعليا، فإن مساعدته تكمن بنزع أي أسباب في الداخل الأردني لخلق بيئة قد تتعاطف مع «داعش»، اليوم أو غداً.
البريطانيون -كما غيرهم- يعرفون أن هناك آلاف الأفراد المنتمين للقاعدة في الأردن وينقسمون ما بين نصرة الشام و»داعش» العراق، وهؤلاء كامنين حتى الآن.
بروز هذه التيارات تأسس في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، ولم يأت التطرف دون سبب، وما يقال اليوم، إن على عواصم غربية وعربية عدم التذرع بوجود «داعش» حول الأردن، لاستدراج الأردن نحو مهمات تتجاوز الحدود الجغرافية، بذريعة استباق الخطر، ومواجهته في موقعه.
هذه ليست مهمة الأردن، حتى لو كان عنوانها الظاهر حماية الأردن، لأنها ستؤدي الى ارتداد خطير، قد يقوم به أنصار السلفية الجهادية داخل الأردن، تعاطفا مع رفاقهم في حال تدخل الأردن ضدهم خارج الحدود، وهذا يعني أن تعظيم الأخطار بشأن الأردن مبالغة، ستؤدي فعليا، إلى أخطار أكبر ارتدادية داخل الأردن.
ثم أن الحروب بالوكالة أمرٌ غير مقبول، حتى لو كان العنوان «تحالف إقليمي لمواجهة داعش»، فهذا التنظيم استنزف دول المنطقة، فلماذا يكون مطلوبا من الأردن أن يظهر على شاشة التنظيم، بحيث يكون رد الفعل إنزال الأردن على خريطة أهداف التنظيم عنوة، ومن يضمن لنا ألا يتم استنزافنا ايضا؟!.
هذا أمرٌ يجري يوميا، بكل هذه التصريحات التي تتحدث فقط عن ثنائية الأردن و «داعش»، وهدفها الأساس تعظيم الخطر، لتغطية إدخال الأردن طرفا في حرب ليست حربه، في مناطق السنَّة، جنوب سورية وغرب العراق.
نتفق مع السفير ميليت في الجزئية التي تقول إنه لا خطر كبيرا من «داعش» على الأردن، وهي جزئية ناقضها السفير بالكلام عن دعم عالمي للأردن لمواجهة داعش، فلماذا هذا الدعم إذا لم يكن الخطر كبيراً؟!.
إذا كان هناك اهتمام بالأردن فعليا، فهذا الاهتمام يجب أن يتجاوز فكرة «الدور الوظيفي» في مواجهة «داعش»، عبر التنبه الى البيئة الداخلية الأردنية، وتحسين هذه البيئة اقتصاديا واجتماعيا لتبقى طاردة للتطرف، ومستقرة، ومزدهرة اقتصاديا، وهذه هي بوابة حماية الأردن الأساس.
ثم أن الأردن داخليا استطاع وحتى اليوم التعامل ما بين القانون والعفو، الخشونة والنعومة، مع كل ما يجري داخل الأردن، والأصل هنا مساعدة الداخل الأردني لحصر أي احتمالات للخطر من الداخل.
غير ذلك تكون كل طبول الحرب ضد «داعش»، وثنائية «الأردن وداعش» التي يتم تصنيعها عنوة، مؤذية، لأن فيها استدراجا للأردن لمواجهة «داعش» خارج الحدود، في دول أخرى، ولأن في ذلك أيضاً، تحرش بالتنظيم حتى يستهدف الأردن باعتباره ينوي مواجهتهم عما قريب.
ثم أن علينا أن نعيد كلام السفير، ونوضحه أكثر دون دبلوماسيته، فالآف المقاتلين الجهاديين هم غربيين من حيث الجنسية، والأصل أن يفلح الغرب في كبح التطرف على أراضيه، ويمنع تصديره، قبل أن يصير مطلوبا من الأردن مواجهة «داعش» نيابة عن هذا العالم المتراخي والمتخم بالرغبات!