بينما تنشغل هذه المنطقة ،ومعها العالم الغربي والشرقي كله، بـ «داعش» فإن ما يثير الإستغراب ويستدعي طرح العديد من الأسئلة والتساؤلات هو أنَّ الرئيس التركي الجديد رجب طيب أردوغان لا يجد ما يشغله في هذا الشرق الأوسط المضطرب ،الذي بات يهتز بكل دوله كـ «قصلة» في مهب رياحٍ عاتية، إلاَّ إنعقاد برلمان ليبيا في مدينة طبرق القريبة من الحدود المصرية والآمنة نسبياً وليس في مدينة طرابلس (الغرب) التي تدور في شوراعها وميادينها معارك دامية بين العديد من العصابات الإرهابية التي بعضها يعمل لحساب معادلات إقليمية و «إخوانية» مكشوفة ومعروفة.
ما الذي يضير رجب طيب أردوغان ويغضبه في أنْ يعقد البرلمان الليبي «الإنقاذي» إجتماعه.. وإجتماعاته في «طبرق» التي هي جزءٌ من ليبيا مثلها مثل طرابلس (الغرب) ومثلها مثل باقي المدن الليبية وبخاصة وأن العاصمة ،أي طرابلس، من المستحيل أن ينعقد فيها الآن أي إجتماع ولو من عشرة أشخاص فهي تتعرض لتدمير منهجي من قبل تنظيمات ومنظمات تخوض ،ضد بعضها بعضاً، حروباً طاحنة لمصلحة القوى الإقليمية المتناحرة.
عندما سطع نجم رجب طيب أردوغان وبخاصة بعد «بهدلته» الشهيرة للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في «دافوس» ساد إحساس لدى العرب كلهم ،القوميون والقِطْريون والتقدميون و»الرجعيون»!!، بأن هذا هو «المُخلِّص» الذي طال إنتظاره وأن تركيا ،هذه الدولة العظيمة التي حكمت منطقتنا لأكثر من أربعة قرون تحت العمامة العثمانية، سوف تعود إلى مسارها الصحيح وسوف تتجه الإتجاه المفترض بعد أن بقيت تقف زهاء نصف قرن أمام الأبواب الغربية بإنتظار أن تدخل جنة الإتحاد الأوروبي الذي أثبت بعد إنضمام أوروبا الشرقية إليه أنه لا يمكن أن يقبل في عضويته دولة إسلامية بكل هذا الحجم وبكل هذه القوة وكانت خيول فرسانها قد «صهلت» ذات يوم في فينَّا التي كانت ولا تزال تعتبر قلب القارة الأوروبية.
كان الإعتقاد ،عندما سطع نجم رجب طيب أردوغان، أنَّ تركيا العظيمة التي كان العرب جزءاً من تاريخها الطويل والتي كانت هي بدورها جزءاً من الحضارة العربية التليدة سوف تصبح لهذه المنطقة كلها وجزءاً منها بعد تغيير توجهها من الشمال إلى الجنوب لكن وللأسف فإن الصدمة كانت قاسية وكبيرة عندما إنحاز هذا الرجل ،الذي كان يشكل أملاً واعداً، إلى حزب سياسي هو حزب جماعة الإخوان المسلمين وعندما بات يتصرف حتى بالنسبة للسياسات الإقليمية والدولية وفقاً لمصالح هذا الحزب الذي له في الشرق الأوسط كله خصومات كثيرة.
لقد كان مستغرباً ولا يزال أن يضع رجب طيب أردوغان نفسه ويضع تركيا كلها في مواجهة الشعب المصري الذي ثار على حكم الإخوان المسلمين الذين كادوا أن يأخذوا البلاد والعباد إلى كارثة محققة وكذلك فقد كان مستغرباً أنْ يعلن هذا الرجل ،الذي أصبح رئيساً لإحدى أهم دول المنطقة، الحرب على نظام ثورة يونيو ،نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي، وأن يرفع راية إسقاطه وكل هذا بحجة غير مقنعة وهي رفْض الإنقلابات العسكرية!!.
ثم وعلى إفتراض أن رفْضَ الإنقلابات العسكرية هو سبب موقف الرئيس التركي الجديد من ثورة «يونيو» المصرية ومن نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي ،وهذا بالطبع غير صحيح ولا يمكن تصديقه، فما هو يا ترى مبرر إصطفاف رجب طيب أردوغان إلى جانب الإخوان المسلمين الذين يحاولون بدعم إقليمي معلنٍ ومعروف إنتزاع الحكم وبقوة السلاح في ليبيا؟ ما هو مبرر تحويل إسطنبول إلى «مثابة» للتنظيم العالمي لجماعات الإسلام السياسي..؟ ما هو مبرر دعم راشد الغنوشي ضد منوائيه العلمانيين والليبراليين والقوميين في تونس..؟ ثم ما هو مبرر الوقوف إلى جانب عمر حسن البشير.. ما هو مبرر حشر تركيا كلها في هذه الزاوية الحزبية الضيقة؟!!.