بعد مرور أكثر من عشرين عاما على اتفاقات أوسلو، التي أدخلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقيام السلطة الفلسطينية، و»غزة أريحا أولا» وآخرا، والتنسيق الأمني اللعين، وعشرات بل مئات جلسات «التفاوض» بين رجالات «م ت ف» وإسرائيل، بعد كل هذا، لم تزل هذه المنظمة تصنف في إسرائيل قانونيا، كمنظمة إرهابية!
هذا الاعتراف، بمنظمة التحرير الفلسطينية، كمنظمة إرهابية، جاء في سياق تجريم كل من يرفع أعلام منظمات تصنف كإرهابية، مثل: داعش، حماس، وحزب الله، في الأماكن العامة في فلسطين!
التصنيف جاء في سياق رسالة، وجهها ما يسمى «المستشار القانوني» لحكومة العدو، يهودا فينشتاين، لمحافل «فرض القانون» للعمل على التقديم الى المحاكمة لكل من يرفع هذه الأعلام، هذه الرسالة، جاءت بعد استيضاح من رئيسة لجنة الداخلية في الكيان الصهيوني النائب ميري ريغف، التي طلبت استيضاح الوضع القانوني بالنسبة لرفع اعلام م.ت.ف (العلم الفلسطيني!) وما تسميها «منظمات الإرهاب» في دولة الاحتلال، ولدى مطالعة نص الرسالة، نقرأ أن «منظمة التحرير الفلسطينية أعلن عنها قبل سنوات عديدة كمنظمة إرهابية، وهذا الإعلان لم يلغَ أبدا، وعليه فان رفع علمها في أماكن عامة يشكل ظاهرا مخالفة جنائية(!) وعلى أي حال، ففي ضوء التغيير الذي طرأ على العلاقات بين «دولة اسرائيل» وم.ت.ف، صدرت تعليمات من المستشار القانوني للحكومة بموجبها لا يجب في الظروف الحالية تقديم احد الى المحاكمة الجنائية على رفع علم م.ت.ف «. وعلى الرغم من هذا الاستدراك في آخر الاقتباس، إلا الرسالة تعود، وتًجرّم رفع العلم الفلسطيني، حيث تقول الرسالة: «ومع ذلك هذا لا يعني منح حصانة تامة والتعليمات إلى محافل إنفاذ القانون هي انه في كل حالة يثور فيها تخوف حقيقي من أن رفع العلم يشكل مخالفة تضامن مع منظمة إرهابية أو إبداء عطف لها، أو عندما يكون تخوف على مستوى عال من المعقولية من أن يؤدي رفع العلم الى خرق خطير لسلامة الجمهور – ففي هذه الظروف على الشرطة أن تعمل على إزالة العلم. وفي الحالات المناسبة، يتم النظر أيضا في تقديم رافعي الإعلام الى المحاكمة». وبالتالي يوجه مستشارهم القانوني محافل تنفيذ قانون الاحتلال بأنه «لا ينبغي العمل بشكل جارف على إزالة أعلام م.ت.ف «. ما يستفاد منه، وفي ظل هذا النص المطاطي، أنه تخويل لرجال شرطة الاحتلال صلاحية إزالة العلم الفلسطيني، وتقديم رافعيه إلى المحاكمة!
إن مثل هذا السلوك العدواني المتأصل في بنية الاحتلال الصهيوني، هو ترجمة «قانونية» لمدى سخريته واستهانته بكل الاتفاقات التي ممكن أن يبرمها، حتى مع سلطة خدمت ولم تزل الاحتلال، كما لم يفعل الاحتلال نفسه، ومع ذلك، يُنظر إليها كبنية تنتمي إلى منظمة «إرهابية» على الرغم من تخلي هذه المنظمة عن جل -إن لم يكن كل- الثوابت الوطنية الفلسطينية، ما يعيد الصراع مع الاحتلال إلى جذره الأول، الذي يرفض الوجود الفلسطيني، حتى ولو كان بلا سيادة، ويجد هذا الأمر تعبيرات شتى في مضي الاحتلال في مصادرة الأراضي على نحو مجنون ومتسارع، وبناء المستوطنات، وإهمال من وقع معهم اتفاقات مرحلية، وفرت وضعا مريحا ومربحا للاحتلال!
إن رجالات م ت ف يعلمون جيدا وضعهم «القانوني» في الميزان الصهيوني، ومع هذا لم يزالوا يراهنون على جمع الماء في الغربال، فقط من أجل الحفاظ على ميزات الـ «في أي بي» التي يتمتعون بها، دون النظر إلى التدهور الخطير الذي تشهده القضية الفلسطينية على أيديهم «المباركة»!