على النقيض من الحكومات السابقة التي تشعر بالتوتر والقلق بانتظار "رصاصة الرحمة"، مع مرور الوقت، فإنّ رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، يبدو أكثر اطمئناناً وشعوراً بالاستقرار في "الدوّار الرابع"، وهو على وشك الدخول في العام الثالث منذ تشكيل حكومته الأولى. بالرغم من أنّ الرئيس واجه في البداية معارضة نيابية شرسة ومشاغبة، لأسباب شخصية، وحاول بعض النواب الإيقاع به عبر أيّ حادثة أو فرصة سانحة؛ وبالرغم، كذلك، من أنّه قام برفع أسعار المحروقات واتخذ قرارات اقتصادية تردد كثير من الرؤساء قبله في اتخاذها، وهرب آخرون منها، خشية من عواقبها، إلاّ أنّ د. النسور عبر حقول الألغام الخطرة وتجاوزها، فيما يئس خصومه من النواب المشاغبين، واستسلم الطامحون للجلوس مكانه، فأصبحت خططهم تأخذ في الحسبان المدى الزمني البعيد، وليس القريب! بعض المحللين والسياسيين يفسّر سبب بقاء النسور بعاملين: الأول، "غياب البديل" المقنع الذي يمكن أن يؤدي المهمات التي يقوم بها النسور لـ"السيستم" بالاحتراف نفسه. والثاني، هو عدم رغبة "مطبخ القرار" في الدخول في معمعة المشاورات النيابية لاختيار الرئيس المقبل؛ إذ أصبحت مشاورة النواب استحقاقاً سياسياً جديداً عند اختيار أي رئيس حكومة. ثمة جانب من الصحّة في هذا التفسير، لكن الجانب الآخر المهم، والذي يمثل ربما السبب الأساس لبقاء الرئيس الحالي، هو رغبة الملك في تكريس تقليد جديد في المشهد السياسي الأردني، يتمثّل في بقاء الحكومات لمدّة أربعة أعوام، أي مدّة مساوية لعمر كل مجلس نيابي منتخب، ما لم يحدث أمر طارئ يؤدي إلى التغيير. مثل هذه الرغبة وُلدت من رحم المشكلة الكبيرة التي تترتب على التغييرات المتتالية لرؤساء الحكومات والوزراء، ما خلق حالة من عدم الاستمرارية والانقطاع والتذبذب في خطط الحكومات وعمل الوزارات والوزراء. وهو ما انعكس، أيضاً، على عدم وجود تصوّرات بعيدة المدى في التعامل مع الأزمات التنموية والسياسية، وتغير هذه التصورات بتغيّر الوزراء والمسؤولين. وهذه كانت، كما يعرف أغلب القرّاء الأعزّاء، أحد أبرز مشكلات الإدارة الأردنية خلال الأعوام الماضية. إذن، من المفترض أنّ يدفع هذا التحول برؤساء الوزراء والوزراء إلى الشعور بالقدرة، بل ضرورة إحداث فارق حقيقي في الإدارة العامة، وفي التعامل مع الأزمات البنيوية القائمة، عبر خطط طويلة المدى، وتطوير العمل المؤسسي والإداري، وتبنّي مشروعات إصلاحية حقيقية. وهو ما حدث فعلاً، وللأمانة، مع وزراء مثابرين مجتهدين، قدّموا رؤى إصلاحية، وأظهروا نشاطاً ملحوظاً وملموساً، وأحدثوا فارقاً كبيراً ومشهوداً في ميدانهم. لكن، في المقابل، كانت الفترة الماضية كفيلة بالكشف عن الوزراء الضعفاء أو غير القادرين على إحداث فروقات تذكر، أو الذين تعبوا من تحمل المسؤولية، وأن يتم استبدالهم بمن لديهم الحافز للعطاء والإنجاز. الغريب أنّ الرئيس يتمسّك في أغلب تصريحاته الصحفية بعدم الرغبة في إجراء تعديل حكومي، وبالتأكيد على أنّ وزراءه على قدر المسؤولية، بينما يعرف هو قبل غيره أنّ ذلك ليس دقيقاً، وأنّ هناك ضرورة حقيقية لتعديل وزاري يضخّ دماء جديدة في عمل الحكومة والوزارات، ويكمل الحلقات المفقودة في عمل الحكومة والناجمة عن عدم الانسجام والتناغم بين عمل بعض الوزراء كفريق واحد في ملفات متخصصة. الأهم من هذا وذاك، وهنا بيت القصيد، ألاّ يتحول دافع المدة الطويلة في عمل الحكومات إلى الجانب السلبي؛ أي أن يركن الرئيس والوزراء إلى بقائهم، فيترهلوا في أعمالهم وتهبط عزيمتهم وتنفد طاقتهم، ويصبح الأمر بالنسبة لهم روتينياً ويومياً، وتتلاشى أفكار الإصلاح والتغيير والتطوير، وتحل مكانها الرغبة في الراحة والعمل اليومي التفصيلي!