بالإعلان عن توقيع اتفاق مبدئي لاستيراد الغاز الإسرائيلي، تعيدنا الحكومة إلى فكرة المصدر الواحد للطاقة، رغم النصائح الكثيرة والمتكررة بضرورة تنويع المصادر، بعد تجربتي النفط العراقي والغاز المصري. فخيار المصدر الوحيد مجرب، وما يزال يوقع خسائر بالاقتصاد حتى اليوم، متسببا بأزمات مالية كبيرة تظهر تأثيراتها واضحة. إذ يكلف دعم شركة الكهرباء الوطنية مبلغ 5 ملايين دولار يوميا، جراء انقطاع الغاز المصري، والاعتماد بدلا منه على الوقود الثقيل في إنتاج الكهرباء. الحكومة، بعد سنوات من الأزمة، وتنظير طويل حول إدارة ملف الطاقة، تعيدنا إلى المربع الأول، بأن تقرر استيراد كميات من الغاز الإسرائيلي تعادل حاجة المملكة. إذ تكشف تفاصيل الاتفاق أن الكميات المتفق عليها تبلغ 45 مليار متر مكعب من الغاز، على مدى 15 سنة هي مدة الاتفاق؛ أي بكمية تصل 3 مليارات متر مكعب سنويا، أو 8.21 متر مكعب يوميا. وبتحويل المتر المكعب إلى قدم مكعب، يكون حجم كميات الغاز الإسرائيلي البالغة نحو 300 مليون قدم مكعب سنوياً، مساوية لكامل استهلاك المملكة من الغاز؛ الأمر الذي يثير الهواجس من خشية تكرار سيناريو الاعتماد على مصر والعراق، مصدرين وحيدين للطاقة. القصة مريبة، وثمة تفاصيل ظهرت خلال الفترة تصب في اتجاه واحد، هو محاولة تعطيل وتأخير مشاريع الحصول على الطاقة من مختلف المصادر المحلية. فمثلا، ما تزال الشركة الإستونية تعاني من بيروقراطية حكومية تحول دون توقيع الاتفاق النهائي للبدء بإنتاج الطاقة من الصخر الزيتي. ومشاريع الطاقة المتجددة ليست بخير أيضا، بعد أن وجهت لها الحكومة صفعة قوية بإلغاء عطاءات المرحلتين الثانية والثالثة منها، فيما الجدل قائم حول الفشل الرسمي الكبير في إدارة ملف الطاقة الذي يشكل الخاصرة الرخوة لاقتصاد البلد منذ سنوات. المصدر المحلي المنسي والمهمل دائما هو غاز الأردن الطبيعي، من حقوله المختلفة، ولاسيما حقل الريشة الذي تشير دراسات شركة البترول الأردنية العلمية إلى إمكانية زيادة إنتاجها من الغاز لتصل 100 مليون قدم مكعب سنويا على الأقل، وبما يشكل ثلث استهلاك المملكة من الغاز. لكن الحكومة ترفض الإيمان بطموحات الشركة وآمال خبرائها الأردنيين، الذين يؤكدون قدرتهم على زيادة الإنتاج في حال تعاملت الحكومة مع الشركة على النحو الذي تتعامل به مع الجهات الخارجية فيما يتعلق بسعر الغاز المنتج. إذ تشتري الحكومة الغاز من الشركة الوطنية بسعر دولارين لكل مليون قدم مكعب، فيما تدفع للمصريين 5 دولارات مع كثير من الامتنان، ولإسرائيل -بحسب ما نشر من معلومات أولية حول الاتفاق- 9.5 دولار. هذا فيما تقدر الأسعار العالمية بحوالي 13 دولارا لكل مليون قدم مكعب. مبدأ التوقيع اليوم للحصول على غاز إسرائيلي، عبر شركة أميركية، تحوم حوله العديد من الشكوك، خصوصا فيما يتعلق بالكميات المتفق عليها، والتي تضع الأردن تحت رحمة إسرائيل. أما السرية في القرار، فيفسرها علم الحكومة العميق بأن مثل هذا التوجه لا ولن يروق للشارع الأردني، الذي يرى في إسرائيل عدوا، كما أنه قرار لا يقدم ضمانات بعدم تكرار تجربة الماضي؛ فإذا كانت الدول الشقيقة قد قطعت عنا مصدر الطاقة الوحيد، فكيف ستكون الحال مع العدو والمحتل؟ لا أدري ما إذا كانت الحكومة تملك تفسيرا لإقدامها على هذه الخطوة، وهل تقدر على تقديم تبريرات توضح أسباب إعاقة استكمال المشاريع الخاصة بمختلف مصادر الطاقة الأخرى، وهي التي تمطرنا يوميا بسعيها إلى تحقيق أمن الطاقة، وتعكف على إنشاء ميناء للغاز في العقبة، يمكّن من استيراده من الأسواق العالمية، لكننا لم نعد ندري ما نفع هذا الميناء بعد الاتفاق مع إسرائيل على استيراد كامل احتياجاتنا منها، وإنشاء أنبوب خاص لهذا الغاز؟ الاقتصاد سيتضرر من هذا الاتفاق الإذعاني، والبلد لن يحقق أمن طاقته ضمن هذا الخيار، ما يثير السؤال: ترى من المستفيد؟