حديث كثيف من جهات سياسية وإعلامية داخل الأردن وخارجه حول مشاركة الأردن في التحالف القادم ضد تنظيمات الإرهاب وعلى رأسها داعش، ونسمع أحاديث أخرى يعتقد أصحابها أنها أسرار بأن الأردن لا يريد إستفزاز داعش، ونسمع إجابات من أطراف عديدة تتحدث عن موقف الأردن وكأنه موقف تحت الدراسة، أو كأنه سري يشبه إعلان نتائج الثانوية العامة.
القضية واضحة، والموقف الأردني ليس وليد المرحلة الحالية، والدولة وعلى رأسها جلالة الملك كانت واضحة جداً بعد تفجيرات نيويورك التي تصادف ذكراها هذه الأيام، وأستمر الموقف واضحاً وجاداً في المشاركة في الحرب على الإرهاب وعلى رأسه القاعدة، وكان طرفاً رئيساً في هذه الحرب فكرياً وسياسياً وأمنياً، وكل هذا معلوم، وكان موقفاً غير مخفي ولم تخجل منه الدولة لأنه منسجم مع قناعاتها ومواقفها.
أما الحديث اليوم عن الدور الأردني ففيه مبالغة كبيرة وكأن الأردن هو الذي سيقود العالم في الحرب على داعش، وبعض التقارير الإعلامية الخارجية وحتى الداخلية تتحدث وكأن العالم لا يملك إلا الحدود الأردنية مع العراق وسوريا لبدء الحرب، أو أنه لا توجد قوات برية إلا الأردن، وينسى هؤلاء أن لأمريكا وحلف الأطلسي قواعد عسكرية في تركيا وقطر ودول خليجية أخرى، وأن الولايات المتحدة ودول أخرى من حلف الناتو لها قوات في العراق منذ سنوات، بل إن أمريكا تقوم منذ أسابيع بقصف جوي على ( معدات وسيارات !! ) داعش، وأن هناك قتال بري بين داعش من جهة وقوات البشمركة الكردية، وأيضاً قتال آخر بين قوات الحكومة العراقية والعشائر من جهة وداعش في جهة أخرى في مناطق عراقية أخرى، وأن النظام السوري يقوم بقصف داعش وغيرها جوياً، وأن إشارات عديدة تؤكد تعاوناً ميدانياً وإستخباراتياً بين دول غربية والنظام السوري في الحرب على تنظيمات التطرف.
الأردن ليس في وضع حرج وليس في موضع الإتهام، والحديث الرسمي يجب أن لا يكون تبريرياً ودفاعياً، فالموقف من داعش وقبلها القاعدة واضح جداً نظرياً وعملياً، ومن يراجع خطابات وتصريحات جلالة الملك خلال أكثر من عشر سنوات سيجد أن رفض التطرف أحد أهم المواضيع فيها، والأردن لا يعادي هذه التنظيمات « سراً « ولا يخشى إستفزازها لأن الجميع يعلم موقفه، وهو الذي حذر دول عربية وأجنبية كانت تقدم التسهيلات لإغراق سوريا بالتطرف وأهله بأن هذا خطر على المنطقة، واليوم تقود هذه الدول حرباً على أدواتها التي أرادتها قبل سنوات لإسقاط أنظمة في سوريا وليبيا....
الملك لم يذهب إلى قمة الناتو بشكل سري، والموقف السياسي واضح، وتاريخ حرب الأردن على الإرهاب معلوم، لكن الأردن ليس هو من سينقذ العالم، والجيش الأردني ليس القوات البرية التي ستتحرك بين دول المنطقة لتحارب داعش، وأمريكا لديها الكثير من الجيوش المستعدة لمساندتها، ولديها قواعدها في الدول ( الثورية ) والمساندة للشعوب والربيع أكثر مما لديها في دول أخرى، فتركيا فيها قواعد لحلف الناتو، دول خليجية عديدة، وإسرائيل، والعراق وحاملات طائرات في البحار، وقوات في العراق، فلماذا هذا الضجيج حول دور أردني في الحرب على التطرف، ولماذا التردد وعدم الوضوح في تقديم الموقف.
ولعل في التركيز على الدور الأردني جانباً إيجابياً وهو السمعة الإيجابية والمميزة للمؤسسة الأمنية والعسكرية الأردنية، والإحتراف الكبير لدى هذه المؤسسة في أداء واجباتها، وهذا أمر نفتخر به، ويسجل للدولة الأردنية.
الموقف الأردني واضح في عدائه للإرهاب لكن من حق الدولة أن تدير معاركها ومواقفها بما يخدم مصالحها، ولنتذكر كل ما كان يقال عن الموقف من الأزمة السورية وثبت اليوم أنه موقف حكيم وكان معياره الأول مصلحة الأردن وأهله، وأعتقد أننا اليوم بحاجة إلى تقديم موقفنا وخدمته بطريقة خالية من الدفاع والتبرير، فالإرهاب ليس له صديق، والأردن عدو واضح للتطرف، لكننا لسنا من سينقذ العالم منه وحدنا، لكننا سنقدم ما نستطيع لكن ضمن محددات مصالحنا وليس تجنباً لإستفزاز تنظيم أو غموض في الموقف.