لا أفضل ولا أسْلم من الوضوح والصراحة وحقيقة أن سياسة الإختباء وراء الأصبع هي أسوأ السياسات وأن الحرص على الوقوف في المساحات الرمادية سيجعل صاحبه في النهاية بلا موقف وهو سيُغضب الأعداء والأصدقاء على حدٍّ سواء ولذلك يجب ،وليس المفترض فقط، أن يكون الموقف الأردني من الحرب التي أُعلنت في قمة «ويلز» واضحا كل الوضوح وعلى أساس إمَّا مع وإما ضد.. والمؤكد أننا «مَعْ» ويجب أن يكون هذا على رؤوس الأشهاد.
عندما يكون هذا التنظيم «داعش» متغلغلاً في دولتين مجاورتين ،هما سوريا والعراق، حدودهما المشتركة مع الأردن تتجاوز الخمسمائة كيلو متراً فإنه علينا ألاَّ نقف في الصفوف الخلفية طالما أنَّ بلدنا على قائمة هذا التنظيم وطالما أنه عندما تندلع النيران في بيت جارك فإنها ستصل إلى بيتك حتماً إنْ لن تسارع إلى إطفائها وإنْ لن تضرب بيدٍ من حديد على يد من أشعلها.
لكن إنضواءنا في هذا الحلف الذي أُعلن في «ويلز» البريطانية وانضمامنا إليه يجب ألاَّ يعني أننا سنرسل جيشنا ومغاويرنا للقتال في الرقة ودير الزور وفي الموصل والأنبار وكركوك ما دام أن باراك أوباما ،المتردد دائماً وأبداً بالنسبة لهذه الأمور، قد كرر وبقي يكرر أن الحرب التي أعلنها على «داعش» لا تعني إرسال قوات برية لمقاتلة هذا التنظيم الإرهابي الذي جرى النفخ فيه أكثر من اللزوم والذي أعلن حلف شمالي الأطلسي الـ»نيتو» من أجل القضاء عليه حرباً كونية!!.
كان تقديرا للأردن أن يحضر جلالة الملك قمة ويلز هذه وكان أعترافا بمكانته ودوره في هذه المنطقة وفي العالم أن يشيد المشاركون وفي مقدمتهم قادة الدول الرئيسية الكبرى بقواته المسلحة وبأجهزته الأمنية وبسياساته الحكيمة وبمواقفه الشجاعة وحقيقة أن هذا يجلعنا أكثر إطمئناناً إلى حاضرنا ومستقبلنا فالدول التي لا مكانة لها على الخريطة الدولية ولا دور لها في المعادلة الكونية.. والتي تقف دائماً وأبداً في المساحات الرمادية لا حاضرها آمن ولا مستقبلها مضمون وهذا هو تاريخ ألاعيب الأمم أمامنا وحيث أختفت دول لأنها إكتفت بأن تكون على هامش الألاعيب الأممية.
لقد اكتوى بلدنا ،المملكة الأردنية الهاشمية، بالإرهاب مبكراً فنحن فقدنا مؤسس مملكتنا ودولتنا الملك عبد الله بن الحسين طيب الله ثراه في العشرين من تموز (يوليو) عام 1951 ونحن فقدنا اثنين من أهم رؤساء حكومتنا هما هزاع المجالي ووصفي التل رحمهما الله ونحن تعرضنا لهجمة إرهابية بربرية في عام 2005 ونحن بقينا نُحْبط وفي كل يوم وعلى مدى سنوات طويلة محاولات إختراق حدودنا الشمالية ونحن لا نزال في قلب العاصفة.. ولذلك فإنه أمر طبيعي أن ننحاز وبوضوح لا لبس فيه إلى أي تحالف كوني لمواجهة «داعش» ومواجهة الإرهاب الذي غدا ،وللأسف، متجذراً في هذه المنطقة التي لا يستطيع أيٌّ كان التكهن بالنهاية القريبة والبعيدة التي ستنتهي إليها.
إنه لا خيار لنا في ظل إهتزاز هذه المنطقة كـ»قصلة» في مهب الرياح إلاَّ أن نكون في طليعة المواجهين للإرهاب.. أمَّا كيف وأين فهذا نحن من سيقرره في ضوء مصالحنا وإستحقاقات أمننا الوطني والقومي وهنا فإن المؤكد أن شركاءنا في هذا الحلف الهام جداً يعرفون أن حماية نحو خمسمائة كيلو متراً من حدودنا المشتركة مع سوريا والعراق هو أهم واجب من الممكن أن نقوم به في هذا الإطار وهو أن الأدوار التي من المفترض أن تقوم بها أجهزتنا الأمنية ،المشهود لها بالتفوق، قد تتعدى أهميتها أهمية القصف الجوي والمواجهات المباشرة الأرضية.