لا يريد بعض السادة النواب أن يكون للأردن أي دور في التحرك العربي والدولي ضد تنظيم "داعش" في العراق وسورية، بدعوى دفع البلاء عن البلاد، وتجنيب المملكة شرور الإرهاب. وهم قبل ذلك ومن بعد يعتبرون القصف الأميركي لمواقع التنظيم في شمال العراق عدوانا مرفوضا. هم إذن -بافتراض حسن النوايا- يدعون إلى ترك "داعش" وشأنه؛ يتمدد كيفما يشاء، ويوسع حدود دولته في كل الاتجاهات. لو أن المسؤولين في الأردن ودول الجوار والعالم أخذوا بنصائح السادة النواب، فإن ملايين العراقيين سيضافون إلى ملايين اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا، ويصحو الأردن وعلى حدوده الشرقية والشمالية آلاف المقاتلين من أتباع الدولة الإسلامية "الجارة". لا نريد للأردن أن يخوض معارك الآخرين، هذا كلام لا خلاف عليه، لكن الإرهابيين في سورية والعراق لا يستثنون أحدا من حربهم. إنهم مشغولون اليوم بتوطيد أقدامهم هناك، وإذا ما حققوا هدفهم ووقفوا على حدودنا، فهل يقنعون؟! الأفضل لنا ولغيرنا من الدول أن تخاض المعركة معهم اليوم بعيدا عن بلادنا، قبل أن يقوى عودهم وتصبح المواجهة على أرضنا. الأردن اليوم آمن ومستقر، ويملك من القدرات العسكرية ما يكفي للدفاع عن حدوده. لكن للقدرة حدود أيضا. وإذا ما تفاقم الصراع في المنطقة وفاض خارج حدوده الحالية، فلن يكون بمقدور طرف أن يخوض المواجهة منفردا. وإذا لم يقم المجتمع الدولي بواجبه لدحر الإرهابيين في هذه المرحلة، فقد نضطر مستقبلا لفتح أراضينا أمام قوات أجنبية لاستكمال المهمة. ما من أحد فينا يرغب في رؤية قدم جندي أجنبي تطأ أرضنا. ساذج من يعتقد أن بإمكاننا المحافظة على الهدوء داخل حدودنا بينما النار تشتعل من حولنا. علينا أن نبذل ما بوسعنا لمنع امتداد الحرائق إلى حقولنا. بالنسبة لملايين العراقيين والسوريين هذه حرب وجود، وبالنسبة لنا هي إجراءات استباقية كي لا نكون مستقبلا في موقع السوريين أو العراقيين. وإن كان هناك حقا متعاطفون مع "داعش" في الأردن، كما تؤكد عديد المؤشرات، فإن المواجهة المبكرة ضرورية لوضع حد لطموحاتهم قبل أن تتحول انتصارات "داعش" إلى مصدر إلهام لهم. والنقاش هنا ينبغي أن لا يكون على المبدأ؛ مبدأ صون المصالح العليا للمملكة، ومواجهة القوى الإرهابية، وإنما على طبيعة الدور الذي يلعبه الأردن في الحرب الدائرة في المنطقة؛ طبيعة المشاركة وحجمها وأشكالها. ليس من مصلحة الدولة أن تبدو كطرف في التحالف الدولي يعمل في الخفاء. ذلك يجعلها في موقع مشبوه؛ فهذه ليست حربا سرية تخوضها وكالات الاستخبارات العالمية، إنها مواجهة تعني كل مواطن يرفض التطرف والإرهاب، ويؤمن بالتعددية والتنوع والحق الشرعي في الدفاع عن قيم الوسطية والاعتدال، وقبل ذلك حقوق الإنسان وحرياته المصونة في كل المواثيق الدولية والوطنية، والتي يدوسها المتطرفون بأقدامهم كل يوم. إنها باختصار قيم الأردن التي يصونها الدستور ولذلك يجب أن تخضع مشاركة الأدرن في التحالف الدولي لنقاش مفتوح في البرلمان. كان أمرا مثيرا بحق أن يتخذ منظرو التيار السلفي في الأردن؛ أمثال أبو قتادة والمقدسي، مواقف متشددة من إرهاب تنظيم "داعش"، بينما يصمت بعض نوابنا عن إدانة أفعاله الشريرة، لا بل ويجاملونه بذرائع فارغة.