هناك مخاوف ،يبدو أنها اقتربت من الحقيقة، من أنْ تصبح «غزة» دولة ،أو دويلة، مستقلة عن الضفة الغربية وبديلاً للدولة الفلسطينية المنشودة على كل الأراضي التي أحتلت في عام 1967 وإلاَّ ما معنى أن تبتعد حركة «حماس» عن الوحدة الوطنية آلاف الأميال كلما سادت قناعة بأنها اقتربت منها وإنَّ تجربة «إنفصالية» ،طال أمدها، باتت بحكم المنتهية وأنَّ مسألة «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني» غدت راسخة بالنسبة لمنظمة التحرير التي من المفترض أن حركة المقاومة الفلسطينية في إطارها منذ تأسيسها في العام 1987.
لاشك في أن حركة «حماس» غدت بعد هذه الحرب الأخيرة أكثر حاجة إلى السلطة الوطنية وإلى منظمة التحرير وأيضاً إلى محمود عباس (أبو مازن) فهي من غير الممكن أنْ تضمن إعادة إعمار غزة ،التي سوتها هذه الإنتصارات المدوية بالأرض، وأن تضمن فتح المعابر ،وبخاصة معبر رفح، بدون «طربوشٍ» شرعي فالدول المانحة لا تعترف بهذه الحركة وبعضها تعتبرها حركة إرهابية على اعتبار أنها تشكل الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين التي باتت تُوضع في الدائرة الإرهابية بعد تصديها للنظام الجديد في مصر والسعي لإسقاطه بالقوة.
والمفترض أن حركة «حماس» ،التي لابد أنها أدركت أن المقصود بقرار الجامعة العربية الأخير حول الإرهاب هو جماعة الإخوان المسلمين، بدل التعامل مع الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ومع السلطة الوطنية ومنظمة التحرير بكل هذه العنجهية وبكل هذا النزق أن تكون أكثر تواضعاً وأكثر موضوعية وأن تسعى سعياً حثيثاً في هذه الفترة بالذات إلى الإنضواء تحت جناح الشرعية الفلسطينية التي تعترف بها أغلبية دول العالم كدولة تحت الإحتلال وعضواً مراقباً في الأمم المتحدة.
إن هذا هو المفروض والمفترض.. اللهم إلاَّ إذا كانت «حماس» متورطة بلعبة خفية وبموافقة إسرائيلية غير معلنة بإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة في قطاع غزة وحده وإذا كان بعض قادتها يفكرون بأن يصبحوا شيوخ غازٍ ونفط على إعتبار أنه ثبت أن هناك إحتياطيا لهاتين المادتين في مياه غزة الإقليمية بنسب تتعدى كل ما تم إكتشافه في مياه البحر الأبيض المتوسط.. وهنا فإنه لابد من الإشارة إلى أنه إذا كان تفكير خالد مشعل و»إخوته» هو هذا التفكير.. والله أعلم.. فإن المفترض أنهم يعرفون معرفة أكيدة أنهم سيبقون بحاجة إلى مصر.. اللهم إلاَّ إذا كانت هناك إتفاقيات أخرى خفية.. والعياذ بالله.
نحن نعرف أنه عندما قامت «حماس» بإنقلابها الدموي في عام 2007 كان الهدف إيجاد رأس جسر للنفوذ الإيراني على شواطئ البحر الأبيض المتوسط بالقرب من الخاصرة المصرية كرأس الجسر الذي أقامه حسن نصر الله على الشواطئ اللبنانية وكرأس الجسر المقام حكماً منذ بدايات ثمانينات القرن الماضي على شواطئ اللاذقية.. لكن المتوقع ،وقد إنهار «فسطاط الممانعة والمقاومة»، أن تعود حركة المقاومة الإسلامية إلى رشدها وأن تدرك ،هذا إن لم تكن متورطة في لعبة إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة في القطاع وحده، أن مستقبلها في أنْ تخرج من إطار الإخوان المسلمين وألاَّ تعادي مصر وأن تنضوي في إطار منظمة التحرير وتتبنى كل برامجها السياسية وبخاصة منها ما يتعلق بإقامة الدولة المستقلة على كل الأراضي التي إحتلها الإسرائيليون في حرب عام 1967.
إنه لا في مصلحتها ولا في مصلحة الشعب الفلسطيني أن تكون «حماس» كحركة وطنية فلسطينية فرعاً للإخوان المسلمين في فلسطين وأنه ليس في مصلحتها أن تتخذ الموقف نفسه الذي يتخذه «الإخوان» تجاه النظام الجديد في مصر ثم وأنه ليس في مصلحتها أن تحشر نفسها في «المحاور» العربية المتعارضة والمتناكفة ففلسطين يجب أن تكون للجميع ومع الجميع ويجب أن تكون على مسافة واحدة من كل الدول العربية التي تتبنى هذه القضية المقدسة فعلاً وبعيداً عن المصالح الضيقة وعن سياسات الإستحواذ التي يمارسها بعض العرب.