انتهى العدوان الصهيوني على غزة في هذه المرحلة وأعلنت حماس انتصارها واحتفلت معها جماهيرها، كما أعلن كيان الإحتلال أنه حقق أهدافاً هامة على صعيد تدمير البنية التحتية العسكرية لحماس من أنفاق ومقاتلين بأعداد كبيرة وقادة عسكريين، وخرجت بعض الصحافة الإسرائيلية تلوم نتنياهو على عدم نجاحه، وأخرى تتحدث عن تعادل بين الطرفين، وثالثة تؤيد ما قالته حكومتهم من أن العدوان حقق الكثير من الأهداف، وأياً كانت القراءة لما جرى من كل الأطراف فإن العدوان توقف على أنقاض غزة وبيوتها حوالي ( 2200 ) شهيد، وحوالي عشرة الآف جريح، ومن الجانب الصهيوني قتل حوالي ( 70 ) شخصاً مدنيين وعسكريين.
اليوم وبعد الاتفاق بين فصائل المقاومة وحكومة الإحتلال هنالك مشهد فلسطيني جديد أو ربما متجدد، وأول معالمة عودة التوتر بين حماس وفتح أو بين دولة الضفة ودولة غزة، والرئيس عباس حمل حماس مسؤولية طول فترة العدوان بسبب رفضها وقف إطلاق النار مبكراً ثم عودتها للقبول بعد أسابيع طويلة دون أن تحقق ما تحدثت عنه من أهداف، ونشاهد جميعاً على وسائل الإعلام توتراً وتبادل إتهامات، والأهم تعثر عملية الوفاق والمصالحة فغزة تحت حكم حماس، والضفة تحت حكم فتح وكلا الحكومتين تحت وطأة الإحتلال.
وعلى الجانب الخاص بالعلاقة بين الإحتلال وكلا الدولتين في غزة والضفة، فإن العدوان الصهيوني بنتائجه أكد على مسار سابق يقوم على وقف العدوان مقابل وقف المقاومة، وهو العنوان الرئيس للاتفاق الأخير الذي يعتبر إتفاق سلام بين المقاومة وعلى رأسها حماس وإسرائيل، أي أن غزة بقيادتها ملتزمة اليوم بعدم إطلاق أي رصاصة تجاه الإحتلال، وهو أمر كان سابقاً وتم خرقه من الاحتلال، وسواء تم هذا من خلال إتفاق أوسلوا أو كامب ديفيد أو مفاوضات غير مباشرة في القاهرة فإن المحصلة أن المقاومة وافقت على وقف أي عمل عسكري مقابل وقف العدوان ولفترة غير محددة، وتسمى هدنة دائمة، وحدود كيان الإحتلال اليوم مع غزة آمنة هادئة بموجب الاتفاق، والمقاومة ستبقى جزءاً من الأدبيات والأحاديث الخطابية أما على الأرض فإن المقاومة توقفت وبإتفاق معلن رحب به العالم.
والمشهد الفلسطيني يقول أن جبهة غزة الهادئة ستكون مكملة لمشهد جبهة الضفة الغربية الهادئة جداً بموجب إتفاق أوسلو، وهي الجبهة التي لم تخرج منها رصاصة ضد الاحتلال فترة العدوان، بينما البعض كان يطالب بفتح الحدود العربية بينما الحدود الفلسطينية للسلطة مغلقة، واليوم ستكون حدود غزة أيضاُ مغلقة بموجب الإتفاق الأخير.
إسرائيل لا يعنيها مسافة الصيد التي تمنحها لصيادي غزة، أو بناء ميناء وهو أمر لن يتم لأن إسرائيل ستمنع أي إنجاز حياتي للناس في الضفة وغزة، لكنها تحول حكاية الصيد إلى قضية كبرى لنصدق أنها كذلك ونخوض معارك حولها، وهو أمر مارسته عشرات السنين مع السلطة وما زالت، لكن المهم هو إيجاد حالة آمنة على حدودها سواء كانت ضمن إتفاق سياسي قائم على الاعتراف بها أم لا، فالمحصلة واحدة، والاعتراف الذي تريده بمطالبها الأمنية وأهمها وقف المقاومة وأنشغال حكومة المقاومة بالأمور الحياتية للناس.
ما بين هدوء جبهة الضفة والتنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، وأتفاق القاهرة الأخير قاسم مشترك هو توقف المقاومة غير المحدود زمنياً، فإسرائيل لا تثق بأحد سواء اعترف بها أم لا، وليس لها صديق وما يهمها أولاً المعطيات على الأرض.