عواصم-الكاشف نيوز:
شدّدت دراسة أوروبية أكاديمية على أهمية أن تتعامل السلطات والحكومات بمختلف دول العالم مع جماعة الإخوان الإرهابية باعتبارها كتلة واحدة، أو شبكة متعددة الأفرع، وكذلك الاستفادة من ملفات الإرهاب لدى جهات التحقيق في الشرق الأوسط، وأخذ الاتهامات الموجّهة للتنظيم بجدّية أكثر بهدف التوصل إلى النمط الصحيح للتعامل معه أمنياً وقانونياً.
وأكدت الدراسة أنّ شبكات تنظيم الإخوان داخل أوروبا، وبالرغم من نفيها المتكرر وجود أيّ علاقات مع الجماعة الأم، إلا أنّها تخضع في إداراتها بشكل كامل لمكتب الإرشاد، وتنفذ الأوامر والتعليمات الصادرة من قمة الهرم التنظيمي، حيث يُعد منصب الأمين العام للتنظيم الدولي هو المشرف والمُنسّق لآلية عمل الإخوان بشكل كامل في كافة الدول.
ووفق الدراسة التي تمّ إنجازها في برلين من قبل المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، اعتماداً على تحقيقات واستبيانات ميدانية حول نشاط الجماعات المتطرفة والمقاتلين الأجانب في شرق أوروبا، فإنّ خلايا الإخوان في أوروبا تعمل وفق آليات متقاربة مع أنشطة التنظيم داخل مصر وفي الشرق الأوسط بشكل عام، وهي تعتمد على تكوين هيكل هرمي للتنظيم يبدأ بمجموعات صغيرة تُمثّل الأسر الإخوانية ويتشكل منها عدد من اللجان والمكاتب التي تتولى مهام الإشراف على التنظيم، تتسم أيضاً بالسرّية التامة والعمل التنظيمي ضمن سياقات لا تخرج عن تنفيذ الأوامر والانصياع للقيادة.
وتجد جماعة الإخوان، في دول شرق أوروبا بيئة خصبة لاحتضان قيادات الجماعة وممارسة نشاطها بحرية بعيداً عن الرقابة المشددة، ويُساعدها في ذلك التواجد الإخواني القائم لدى دول الغرب، من خلال شبكة من الجمعيات والمؤسسات التابعة للجماعة.
وسجّلت جماعة الإخوان المسلمين تواجدها في شرق القارة العجوز منذ سنوات. وتضم دول أوروبا الشرقية كل من: أوكرانيا، بولندا، رومانيا، جمهورية التشيك، سلوفاكيا، المجر، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، الجبل الأسود، ألبانيا، اليونان، أرمينيا، أذربيجان، بيلاروسيا، بلغاريا، جورجيا، صربيا، مقدونيا، ومولودفا.
وكثفت الجماعة من تواجدها داخل مناطق معينة مثل البوسنة والهرسك، فيما تخطط في الوقت الراهن لتوفير ملاذات آمنة لعناصرها وأنشطتها داخل دول شرق أوروبا بسبب الملاحقات والحصار الأمني المفروض عليها داخل ملاذاتها التقليدية، وتُشير غالبية التقديرات إلى تسلل عناصر التنظيم داخل تلك المجتمعات سرّاً، في انتظار الإعلان عن شبكات تتبع الإخوان مباشرة، أو ممارسة النشاط بشكل موسع، كما هو الحال في دول أوروبا الغربية.
وتكشف المعلومات المُتاحة حول بداية التواجد الإخواني في شرق القارة العجوز إلى قيام بعض الطلاب من المنتمين للجماعة بتكوين شبكات سرّية، كانت صغيرة في بدايتها ثم باتت مترامية الأطراف في الوقت الراهن، وتعمل كأذرع قوية للتنظيم وفق دراسة حديثة لمركز توثيق الإسلام السياسي الحكومي في النمسا، وكذلك في دول مثل التشيك، وسلوفاكيا، والمجر، وسلوفينيا، وكرواتيا، ورومانيا.
وأسس الطلاب مجموعات صغيرة خلايا تابعة للتنظيم تعمل حالياً في حدود معينة، أبرزها، اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، والاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية الشبابية "فيمسو". كما ويتمتع الإخوان بوجود محدود في بلدان مثل ألبانيا أو كوسوفو واللتين تضمان عدداً كبيراً من المسلمين، ويمكن تتبع عدد من الكيانات في هذه البلدان وربطها بالتنظيم الدولي للإخوان.
أوروبا الشرقية غير مُستعدّة
وتنظر غالبية الدول في شرق أوروبا إلى التواجد الإخواني باعتباره غير مؤثر، وحتى في ضوء التحذيرات الأمنية من احتمالات تنامي نشاط الإخوان الإرهابي داخل تلك الدول وما يُمثّله من خطورة على المجتمع والأنظمة الحاكمة، وذلك على النقيض تماماً من دول الغرب الأوروبي، التي أدركت مؤخراً مدى الخطر الذي يمثله التنظيم، وبدأت بتطبيق استراتيجيات أمنية وفكرية واسعة النطاق للتعامل مع هذه المخاطر.
وباستثناء الإجراءات الأوكرانية في عامي 2018 و2020، لا توجد إجراءات أمنية تذكر لتحجيم نفذ جماعة الإخوان داخل دول أوروبا الشرقية، ولا تبدو الحكومات منتبهة للأمر في الوقت الراهن، خاصة أن عمليات التنظيم غير نشطة بالداخل، الأمر الذي يعطي مؤشراً مطمئناً لتلك الدول، تتوهم أن الجماعة في حالة سكون ولا تمثل خطراً.
وتتوقع دراسة المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب أن تراجع تلك الدول سياستها في القريب العاجل في ضوء تنامي الإجراءات الأوربية ضدّ التنظيم، بالإضافة إلى كثافة التقارير الأمنية والاستخباراتية التي تحذر من نشاطاته.
وتعمل جماعة الإخوان داخل أوروبا تقريباً وفق نفس الآلية التي تمارسها في دول الشرق الأوسط من حيث شكل البناء التنظيمي والهيكل الداخلي، وكشف تقرير تلفزيون ولاية بافاريا الألمانية تفاصيل عن "الخلايا السرّية" التي يشكلها تنظيم الإخوان لتسهل عمل عناصره وتجذب مزيدا من الأعضاء التابعين.
وتعتمد استراتيجية جماعة الإخوان على الانتشار في أوروبا، على منحى عكسي، مقارنة بنشاطها في الدول العربية، بمعنى أن عملية التوغل في الدول الأوروبية تحدث من خلال مؤسسات خيرية ومنظمات اجتماعية ومدنية، وليست تحت هيكل تنظيمي موحد أو ثابت أو إطار سياسي وتنظيمي، كما هو الحال في مصر على سبيل المثال.
ويجد الباحثون والسلطات التي تراقب نشاط الإخوان في تلك الدول، صعوبة في وضع حدود فاصلة لتلك المؤسسات والتأكد من انتماءها تنظيمياً للإخوان. وبالتالي يختلف الهيكل التنظيمي للإخوان في أوروبا من دولة إلى أخرى، ولكن الملامح المشتركة تتعلق بالأهداف التي تسعى كافة المنظمات والمؤسسات التابعة للتنظيم حول العالم إلى تحقيقها.
ووفق الدراسة الأوروبية الأكاديمية، فإنّ جماعة الإخوان تنقسم إلى 67 فرعاً حول العالم، يضعها التنظيم الدولي تحت تقسيم جغرافي إلى 7 مناطق، أهمها على الإطلاق في الوقت الراهن أوروبا باعتبارها الملاذ الآمن لنشاط التنظيم الدولي الذي أسسه مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة عام 1982 بعد هربه من مصر إلى ألمانيا، حيث دخلت تحت مظلته مجموعة من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاقتصادية حول العالم، بهدف تحقيق مخطط الجماعة لأستاذية العالم، الذي أقرّه حسن البنا، ويعني أن تصل الجماعة إلى الحكم في أكبر عدد من الدول العربية بالتزامن، وتتمكن من التسلل لمؤسسات العمل التنفيذي في الدول الغربية، ومقرّها الرئيسي في لندن.
وبالرغم من عدم توافر أرقام دقيقة ومحددة حول الإمبراطورية المالية لجماعة الإخوان في أوروبا، إلا أنّ التقديرات تؤكد أنها شبكة ضخمة متعددة الأوجه، تتنوع ما بين البنوك والاستثمارات المالية المصرفية والشركات في مختلف القطاعات، والتجارة الحلال، وشركات "الأوف شور" التي تتمتع بغموض كبير يجعلها بعيدة عن الرقابة، وهو ما جعلها تنجح حتى الآن في الهرب من أنظار أجهزة المخابرات والمنظمات القانونية التي تُطارد هياكل تمويل الإرهاب.