كم من الأنبياء والفلاسفة والشعراء والعلماء والموسيقيين والمعلمين عبروا القرون والقارات على هذا الكوكب منذ عدة ألفيات؟ وكم هي الكتب والمخطوطات التي نشرت بدءاً من الكتابة على الطين حتى ورق البردي؟ وكم هي القوانين منذ حمورابي وكم مر من الحكماء بدءاً من كونفوشيوس؟ شريط بلا نهاية تدفق في ذاكرتي وأنا أحاول أن لا أرى ذلك المارد المعجون من السم وقيعان المستنقعات وأنياب الضباع وهو يشهر السكين قبل أن يذبح إنساناً لا يهم ما إذا كان صحفياً أو راعياً أو حتى هارباً من مستشفى الأمراض العقلية، فهو في النهاية إنسان خلق ليعيش وليس ليذبح كالخروف على مرأى من العالم كله.
فهل كانت فلسفة البشر وحكمتهم ومخطوطاتهم ومتاحفهم وفنونهم أمطاراً في الرمال أو في غربال؟ وكيف يمكن لهذا المارد ذي الرأس الديناصوري الصغير أن يعود إلى ما قبل عشرة آلاف عام وكأن العالم من حوله مجرد حيوانات تفترس بعضها وليل بهيم، ولا قانون غير ما يقرره الكهف والغاب!
حاولت أن أتفادى رؤية الذبح لكن تكرار المشهد جعلني ألمح رغماً عني رأساً مقطوعاً وقد وضع على منتصف الجسد، وكأن المقصود بهذا العبث الرجيم ليس فقط الذبح بل تشويه ما خلق الرب، ولا أدري أين كان هذا المارد يخفي ذيله، فهو ليس من هذا العالم ولا من هذا التاريخ، ولم يهبط مع نيزك من المجرات بل هو صناعة عقل مضاد للبشرية وكاره للوجود وساديّ يتلذذ بدموع فريسته أو رهينته ليلحسها كذئب بعد أن أتى على اللحم والعظم.
إن كل الأوصاف المتداولة في الميديا لهذا الشيطان الملثم لا تفي ولا تكفي، فالحيوان قد يتردد قليلاً قبل أن يغرز نابه في عنق الضحية إذا كانت عزلاء من الناب والمخلب، وقد شاهد الناس جميعاً ذلك الفيدو الساحر عن أسدٍ اشتبك مع أسد آخر دفاعاً عن غزال طفل ولد للتو. فكيف استطاع الإنسان تدجين الضواري في السيرك، وترقيص الأفاعي على أنغام المزمار ووضع الذراع حتى الكتف في حلق نمر لكنه فشل في ترويض أبناء جلدته؟
إن من لم يستطع منذ صباه القروي ذبح دجاجة أو مشاهدة ذبح خروف لا بد أن يصاب بنوبة صرع فهو يرى رغماً عنه إنساناً يذبح إنساناً بأعصاب باردة وقلب ميت!
إن الثقافة التي تفرز هكذا بشراً يجب استئصالها من جذور الجذور لكن بوسائل أخرى غير الذبح بالسكين!