الأرقام المعززة بالأفعال , تلفت نظري دوما وتجعلني أقف لأقرأها . فمثلا , الرقم 1948 محفورة في وجداني تحمل عام النكبة وما يحمله من مشاعر أليمة شخصية وعامة بسبب حرب الاستعمار الصهيوني على فلسطين , والرقم , 1967 , تجدد المشاعر السلبية التي يحملها عام حرب استولت فيها اسرائيل على ما تبقى من القدس , وغيرها من الأراضي الفلسطينية . أما الأرقام الكثيرة المتعلقة بالوجع الفلسطيني خلال هذه السنين وبعدها تجعل الذاكرة تزدحم بها ولا مجال لعدها . أخر التي حفرت في ضميري وذاكرتي أرقام البيوت التي هدمت في حرب غزة الأخيرة وعدد الناس الذين استشهدوا من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ . ولعل للرقم 51 , عدد أيام الحرب على غزة وشعبها المحاصر, الذي سجل بالدم صموده وليظل وصمة عار في التاريخ الأسود للوحشية الاسرائيلية . أما الرقم 72, وهو الرقم الذي ظل يستفزني فهو, عدد الساعات لاستراحة “هدنة “ ليتمكن أهل غزة من سحب الأموات من تحت الأنقاض ودفنهم .قبل العودة للحرب الوحشية ضد أهل القطاع الصامد , مع رقم ال 24 , لنفس السبب .
رقم جديد ذو صلة , الرقم 43 لفتني مؤخرا , وهو تقرير يضم مقابلات لجنود وضباط اسرائيليين نشرته صحيفة ( يدعوت أحرنوت )الاسرائيلية مؤخرا , قد يمر دون التوقف عنده من قبل الكثيرين .ويشير الى صحوة ضمير 43 ضابط من وحدة النخبة في المخابرات العسكرية للجيش الاسرائيلي . رقم بلا شك يحمل في طياته مشاعر لأناس من” دم ولحم “ انسحبوا عن سبق اصرار وهم يوضحون أسباب الصحوة وهو” تأنيب الضمير “ . لقد اسيقظ ضميرهم وان جاء ذلك متأخرا ’ بعد أن شاهدوا الجرائم الوحشية ضد أناس عاديين وأطفال أبرياء , بالاضافة لما قاموا به من ابتزازللناس والضغط عليهم ليكونوا عملاء في غزة والضفة الغربية . . صحوة الضمير هذه , ظاهرة ايجابية متأخرة نرجو أن تساهم في تحريك ضمائر الاخرين الين يقتلون بدم بارد ., لملموا ما تبقى من دم عنهم ليقولوا الحقيقة لنتنياهو وزمرته في الاستخبارات . أنهم شاهدو عيان على جرائم اسرائيل المتواصلة ضد الفلسطينيين . ولعل ما جاء في التقرير من شهادات ما جعلهم يشعرون بالخزي والعار والتجرد من أخلاقيات الحرب والسلم . الجرأة تأتي , من صحوة ضمير كان ميتا بسبب التربية الصهيونية الحاقدة وغير الانسانية والعنصرية الكريهة في البيت والمدرسة والمجتمع الاسرائيلي في دولة استعمارية محتلة .
بالاضافة , فإن صحوة الضمير ل43 ضابط , وانسحابهم من مواصلة عملياتهم الاستخبارية غير الأخلاقية , تأتي من دعوتهم بل وتحريض زملائهم في الوحدة اليوم وفي المستقبل , لرفع أ صواتهم والاعتراض على الأفعال التي يقومون بها و تؤدي للظلم . بل رأوا أنها أيضا تهدد مستقبل إسرائيل التي يعملون من أجلها . ولعل المفاجأة أن ال43 الذين وقعوا على التقرير , لم يشاركوا في الحرب الأخيرة على غزة , وتذرعوا بأسباب مختلفة . ولكنهم أيضا يريدون من الاسرائليين أن يتفهموا صحوة ضميرهم , ولا يعتبروها” حيانة” لاسرائيل , وكما هو الحال في عقولهم التي كانت مغسولة كبقية الشعب الاسرائيلي.
إسرائيل تواجه اليوم , سلاحا جديدا ممن لا يزال لديه المشاعر الانسانية , التي تجعلة يندم , على فعلته , ويستطيع أن يرى الحق والباطل , والتمييز بين الصواب والخطأ . وهي أيضا تعاني من هجرة معاكسة من الشباب الذي سئم الضحك على النفس , بعد أن خاب ظنهم أنهم في “ دولة ديمقراطية “ وأنهم يريدون السلام , كما يخدعون العالم . لقد أن الاوان لاسرائيل , أن يصحو ضميرها , لكي لا تستمر في الاعيبها وهي لا تمثل للقوانين الشرعية وحقوق الانسان من أجل رفع الظلم عن الفلسطينيين الذين تحتل أرضهم , وتحاول فناءهم في حروبها التي تسجل الأرقام الحسابية وغير الانسانية دون توقف . !!