أنقرة-الكاشف نيوز:
في إطار خطته التي أعلنها مطلع العام الجاري والرامية لترحيل ملايين اللاجئين السوريين من تركيا وتوطينهم بالشمال السوري المحتل، يطرح الرئيس التركي رجب أردوغان “خارطة طريق”، تتضمن تشكيل “آلية ثلاثية” للإشراف على عمليات الترحيل تتكون من وزارة الداخلية وحزب العدالة والتنمية الحاكم وكتلته النيابية في البرلمان.
صحيفة “صباح” المقربة من الحكومة التركية، أفادت أن الرئيس التركي رجب أردوغان أمر بتشكيل “الآلية الثلاثية” لتحفيز عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، عبر إحياء الحياة الاقتصادية والتجارية وإنشاء مشاريع اقتصادية وتنموية في الشمال السوري والسماح لرجال الأعمال بافتتاح منشآت ومصانع هناك لخلق فرص عمل.
وتتضمن “الآلية” المفترضة بحسب الصحيفة التركية، ضم مدينة حلب المعروفة بأنها العاصمة الاقتصادية لسوريا إلى “خارطة الطريق” التي يطرحها الرئيس التركي، من أجل إعادة ملايين اللاجئين السوريين إليها، مشيرةً إلى أن الجانب التركي يجري مباحثات مع روسيا وحكومة دمشق من أجل ضم المدينة إلى خارطة الطريق المطروحة.
ويقول محللون، إن حديث أردوغان عن مدينة حلب، يؤكد مجدداً تمسك أنقرة بما يعرف بـ”الميثاق الملي” الذي وضعه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية قبل أكثر من مئة عام، والذي يتضمن المطالبة باستعادة السيطرة على مناطق في سوريا والعراق بينها حلب والموصل وكركوك، واعتبار هذه المناطق تركية.
تناغم مع موقف حكومة دمشق
ويقول الباحث السياسي والمعارض السوري المستقل عصام زيتون في هذا السياق: “إن هذا المطلب يؤكد جميع الشكوك منذ البداية في الموقف التركي وتناغمه علنياً مع سياسة النظام السوري في قتل وتهجير شعبه، وتركيا لديها فوبيا من قيام أي كيان سياسي كردي بالمناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال وشرق سوريا، وهكذا يستنتج مما سبق أن تقاطع المصالح الآن ليس محض صدفة بل نتيجة تنسيق على أعلى المستويات بين النظامين التركي والسوري منذ البداية”.
ويضيف زيتون، في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية، “أن النظام أنهى قضية الأغلبية السنية في المناطق التي تقع تحت سيطرته بعد أن دمر معظمها وهجر أهلها وفي النتيجة النهائية باتت النوايا التركية واضحة للعيان بإعادة المهجرين السوريين الموجودين في تركيا من كافة المناطق السورية، وإعادة توطينهم حصراً في الشمال السوري لتغيير ديموغرافيته وإقصاء أي حلم كردي يتخوف منه التركي”.
أطماع قديمة
وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها أردوغان عن السيطرة على حلب، حيث كان قد طالب في أيار/ مايو الماضي بوضعها تحت الحماية التركية ونشر جنود أتراك فيها من أجل ترحيل لاجئين سوريين وتوطينهم فيها، وذلك بعد أن طالب مستشاره السابق ياسين أقطاي مطلع العام الجاري بالسيطرة على المدينة من أجل هذا الغرض، وهي مطالبات كانت قد بدأت منذ ألفين وستة عشر، عندما قال أردوغان إن حلب والموصل وكركوك هي أراض تركية، وذلك في أعقاب رفض العراق مشاركة تركيا بالحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي في الموصل.
وتؤكد وثائق نشرها المركز الكردي للدراسات، أن تركيا كانت قد طلبت من فرنسا عام 1941 إخضاع حلب لسيطرتها، مقابل تسهيل نقل ووصول قوات فرنسية إلى الأراضي السورية، في ظل الحصار التي تفرضه بريطانيا على الساحل السوري إبان الحرب العالمية الثانية، إلا أن فرنسا رفضت مطلب تركيا، قبل أن تنضم الأخيرة إلى حلف بغداد عام 1955 إلى جانب بريطانيا والعراق وإيران وباكستان من أجل إيجاد موطئ قدم يسمح لها بالسيطرة على مناطق في سوريا والعراق تطبيقاً لـ”الميثاق الملي”.
ومنذ عام ألفين وستة عشر، تاريخ بدء الاحتلال التركي لمناطق بالشمال السوري، صدرت عشرات التقارير التي تؤكد مضي تركيا بسياسة التغيير الديمغرافي وتتريك المنطقة، بدءاً بعمليات تهجير ممنهجة للسكان الأصليين إلى جانب فرض التداول بالعملية التركية ووضع اللغة التركية كلغة أساسية في المدارس وإنشاء جامعات تركية بالمدن المحتلة، وصولاً إلى تسمية المدارس والحدائق والمرافق العامة هناك بأسماء رموز تركية.
تعثر مسار التطبيع
ويأتي طرح الرئيس التركي لـ” الآلية الثلاثية وخارطة الطريق” بشأن اللاجئين السوريين، بالتزامن مع بيان للرئاسة التركية ندد بتصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال مقابلة تلفزيونية قبل أيام، قال فيها إن رغبة أردوغان بلقائه هي محاولة لشرعنة الاحتلال التركي للأراضي السورية، وأنه يرفض لقاء الرئيس التركي وفق شروطه، ما يؤكد تعثر مسار التطبيع بين الجانبين.
حملة ترحيل كبيرة
وتتزامن كل هذه التطورات مع حملة ترحيل غير مسبوقة تنفذها تركيا خلال هذه الفترة ضد اللاجئين السوريين، حيث جرى وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ترحيل المئات إلى مدينتي رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي، التي جرى توطين أكثر من أربعة وعشرين ألف لاجئ مرحل فيها منذ بدء تطبيق خطة الترحيل التركية في نيسان/ أبريل الماضي، وذلك في إطار الخطط الهادفة للتغيير الديمغرافي وتغيير التركيبة السكانية للمنطقة”