بعد كل الاجتماعات والجولات واللقاءات الدولية والإقليمية يمكن القول أن الحرب التي تقودها أمريكا على تنظيمات التطرف في العراق وسوريا ودول أخرى قد بدأت، والمؤشر ليس الضربات الجوية الأمريكية على بعض مواقع داعش في العراق، فقط بل مؤشرات أخرى عديدة حولنا لا يمكن تفسيرها إلا بإعلان الحرب التي لا يمكننا تحديد مداها الجغرافي والشكل النهائي لتفاصيلها، لكن ما هو مؤكد أن الأدوار تم توزيعها على الدول والخطوات بدأت.
والدافع الأكبر لهذه الحرب ليس ما شاهدناه من توسع لنشاط داعش في العراق فحسب، بل في قناعة بأن المنطقة دخلت مرحلة من إنتشار الفكر المتطرف والنفوذ الميداني لهذه التنظيمات بشكل جعل المنطقة خارج إطار السيطرة وتوقع النهايات، فلم تكن المشكلة بموجود تنظيمات التطرف لأن هذه التنظيمات تم فتح كل الأبواب لها لتكون قوية في سوريا وتم تزويدها بالسلاح والمال والتسهيلات عبر حدود دول وبأموال دول تتقدم صفوف الحرب على الإرهاب، بل لأن الخارطة الكلية والشاملة للمنطقة العربية بدأت تخرج عن حدود الجرعات التي تم حقن المنطقة بها سواء كان حقنا سياسياً عبر تجربة الإخوان في الحكم في مصر، أو التنظيمات المسلحة التي لم تقتصر على الفكر المتطرف والتكفيري بل أمتدت إلى ميلشيات كانت توصف بالمعتدلة كما هي ميلشيات الإخوان في ليبيا ومصر.
هذه الحرب ليست على داعش فقط، لكنها كانت بحاجة إلى عدو أكبر فكانت داعش، وكان إحتلالها لمدن عراقية وعمليات القتل والإعدام التي مارستها، وشاهدنا التجهيزات الحديثة جداً التي أمتلكها هذا التنظيم، وتحدثت جهات أمريكية عن أرقام تمثل أعداد مقاتلي التنظيم وتصل إلى أكثر من ( 30 ) ألف مقاتل.
حرب على داعش والتطرف والإرهاب لكنها أيضاً محاولة لإعادة المنطقة إلى معادلتها وضبط إيقاعها الذي أختل نتيجة ما جرى في السنوات الأخيرة، حيث عملت العديد من الدول بإسراف ودون حسابات على أستعمال قوى الإسلام السياسي المعتدلة والمتطرفة ودعمها سياسياً وعسكرياً ومالياً، وكان هذا ضمن سياسية عامة تتعلق بشكل المنطقة، وأيضاً لخدمة محاور محلية أو لصناعة نفوذ لدولة هنا أو هناك.
لكن هذا الدعم والإستعمال أنتج واقعاً لم يعد يخدم كبار اللاعبين، وأستفادت قوى التطرف قبل غيرها من الفوضى، ولهذا كانت الحاجة إلى حرب تحاول ضبط الإيقاع والحفاظ على معادلات الدول الداخلية ومعادلة الإقليم العربي ومصالح الكبار.
ما هو المشهد الأخير للمنطقة مع نهاية هذه الحرب، هذا أمر لا يمكن توقعه، لأن الأهداف تتغير، ولن تكون النهاية منطقة دون تطرف، ولا منطقة تحكمها قوى الإعتدال، بل معادلة جديدة قد تصلح لسنوات قبل أن تكون هناك حاجة لحرب من نوع آخر.