يندر أن تقع حرب بين قوتين متكافئتين ، فالردع المتبادل يضمن السلام بالرغم من حالة الصراع الوجودي كما حصل خلال سبعين عامأً من توازن الرعب بين المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفييتي والرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة.
الصراع المسلح يقع عندما يقتنع أحد الطرفين أن قوته راجحة ، وأن الانتصار ليس ممكناً فقط بل مؤكد أيضاً.
في معظم الحالات نجد أن الحق ليس في جانب القوي الذي كان قد أخذ الحق وثلثي الباطل ، الحق يكون عادة في جانب الطرف الضعيف الذي يفضل صراع الأفكار على إطلاق النار ، لأن قوته تكمن في حقه وتضامن العالم معه وليس بالدخول في حرب غير متكافئة بحثاً عن الشهادة.
الحروب العربية الإسرائيلية كانت كلها حروباً غير متكافئة ، فالجانب العربي ضعيف ويملك الحق ، والجانب الإسرائيلي قوي ومعتد.
من مصلحة الجانب العربي أن يختار الصراع السياسي لا العسكري ، وأن يلجأ إلى القانون الدولي ومجلس الأمن الدولي ، ومحكمة العدل الدولية والرأي العام العالمي قبل أن يواجه إسرائيل عسكرياً.
إسرائيل بدورها تفضل حسم قضايا الخلاف بالقوة لأن النتيجة محسومة سلفاً لصالحها ، ولذلك تنتظر أن يقدم لها الطرف العربي عذراُ لبدء الصراع المسلح ، فتضرب ضربتها ، وتحقق أهدافها ، وتترك للجانب العربي أن يحتفل بالنصر!.
ليس من مصلحة قطاع غزة مثلاً أن يدخل حرباً مع إسرائيل تمثل شكلاً من أشكال الانتحار ، ذلك أن مئات الصواريخ التي أطلقتها حماس ، ولم تحدث أضراراً نوعية في إسرائيل ، قوبلت بغارات إسرائيلية مركزة لتدمير المساكن والمدارس ودور العبادة وبيوت قادة حماس ، وتظل تقول للعالم أن من حقها الدفاع عن نفسها ، ويقبل العالم هذه الحجة الزائفة ، وليس ذنبه أن صواريخ إسرائيل تدمر أهدافها وصواريخ حماس ليس لها أهداف مبرمجة.
أما وقد وضعت الحرب أوزارها بعد أن لم يبق في غزة أهداف للتدمير ، فقد جاء الوقت للتقييم والمحاسبة.
محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية عنده وجهة نظر عندما لام حماس لأنها سهلت على إسرائيل مهمتها ، وأطالت أمد الحرب والخسائر برفضها المبادرة المصرية الأولى ثم العودة لقبول الهدنة ولكن ليس قبل خمسين يوماً من القتل والدمار لا لزوم لها.
حماس ليست الدولة الفلسطينية بل مجرد فصيل فلسطيني ، وليس من حقها أن تعرّض امن شعب غزة للخطر في الأرواح والممتلكات بدون الحد الأدنى من التنسيق مع حكومة الوحدة الوطنية.