ليست مفاجأة وعلى الإطلاق أن تبدأ الولايات المتحدة عملياتها الجوية ضد تنظيم «داعش» في سوريا فهذه العمليات كانت متوقعة وفي أي لحظة وذلك لأن رأس الأفعى الإرهابية موجود في الرقة ودير الزور وعلى الحدود مع العراق ولأنه كان لابد من البدء بهذا العمل الجدي وبخاصة بعد توسيع هذا التنظيم لإطار عملياته واستهداف المناطق المحاددة لتركيا والتي تعتبر ذات أغلبية كردية.. وكذلك فإنها ليست مفاجأة أن يبادر سلاح الجو الملكي الأردني إلى استهداف العديد من قواعد ومواقع الإرهابيين داخل الأراضي السورية بل في عمقها فقد تمادى هؤلاء بتوجيه من نظام دمشق في محاولات اختراق الحدود الأردنية والقيام بعمليات إرهابية داخل الأردن لإشاعة الفوضى وزعزعة الإستقرار الذي يعيشه الشعب الأردني.
والواضح أنَّ ادعاء النظام السوري بأن أميركا قد أبلغته مسبقاً بهذه الضربة ، عبر مندوبه في الأمم المتحدة، هو كذبة «حمقاء» كبيرة وهذا ما أكده ناطق رسمي أميركي مرات عدة فهذا النظام بات يتمسك بزبد البحر وأراد من خلال هذه الكذبة المفضوحة الواضحة أن يحافظ على ماء وجهه، هذا إن بقي في وجهه ماء، بعد تلك التهديدات العنترية التي كانت أطلقتها «المناضلة» بثينة شعبان والتي قالت فيها إنه سيتم إسقاط أي طائرات أميركية تدخل المجال الجوي السوري بدون إذن مسبق.. وها هي هذه الطائرات تستبيح أجواء «القطر العربي السوري» بالطول والعرض وأصحاب هذا النظام البائس لا يملكون سوى الاختباء وراء أكاذيبهم المعهودة.
من المؤكد أن بعض شركاء الولايات المتحدة في التحالف الذي أقيم مؤخراً للقضاء على هذه الآفة، التي اسمها تنظيم «داعش»، ومن بينهم بعض الدول العربية قد أُبلغوا بهذه الضربة وبموعدها مسبقاً وكذلك الأمر بالنسبة لبعض رموز المعارضة السورية في الإئتلاف الوطني.. أما هذا النظام الذي أصبح من مخلفات مرحلة لا أسوأ منها مرحلة في تاريخ سوريا فإن المؤكد أنه فوجئ كما فوجئ غيره وأنه كان، استناداً إلى تقديرات جاءته من روسيا، قد حاول ركوب هذه الموجة عندما ادعى وإن تسريباً وليس مباشرة بأن طائراته ، التي بقيت تتفنن في ذبح الشعب السوري وتدمير مدنه وقراه، قد نفَّذت غارات على المجموعات من التنظيم الإرهابي التي حاصرت منطقة «عين العرب» ذات الأغلبية الكردية.
والملاحظ أن رئيس الإئتلاف السوري هادي البحرة كان قد أدلى بتصريحات قبل ساعات قليلة من هذه الضربة طالب فيها بشن غارات جوية فورية على مواقع وتجمعات «داعش» في سوريا وهذا يعني أن الأميركيين قد أعطوا سرهم هذا إلى بعض قادة المعارضة السورية كما يعني أن هذه المعارضة «المعتدلة» باتت تُعامَلُ على أنها أحد الأرقام الأساسية في معادلة التعاطي مع الوضع السوري ومع عملية إسقاط بشار الأسد بالقوة إنْ هو لن يقبل وتحت الضغط الهائل الذي سيواجهه بالعودة إلى اتفاقيات (جنيف1) التي نصت على تنحيته لحساب مرحلة انتقالية تقودها هيئة وحدة وطنية قبل إجراء انتخابات ديموقراطية تحافظ على وحدة سوريا وتأخذها إلى مسيرة جديدة بعيد عن القهر والصراعات المذهبية والطائفية.
إن هذه مسألة يجب إدراك أبعادها وأما المسألة الأخرى فهي أن الإئتلاف الوطني وقبل ساعات قليلة أيضاً من هذه الضربة الأميركية قد أعلن عن إعادة تشكيل القيادة العليا للجيش الحر كما أعلن عن إخراج بعض التنظيمات الصغيرة والكبيرة التي تصنف على أنها إرهابية من إطار تشكيلاته العسكرية وهذا في حقيقة الأمر يعني استعداداً واضحاً للمرحلة المقبلة التي من المؤكد أنها ستكون مرحلة مفصلية والتي للتهيئة لها لابد من استبعاد كل فصائل الإرهاب من إطارات الثورة السورية.
والآن وبعد أن أوضحت هذه الضربة أن الدافع الرئيسي لإقامة الإئتلاف الدولي ، الذي تم تشكيله، هو ترتيب الأوضاع في سوريا وبحيث يجري إضعاف كل التشكيلات الإرهابية، وفي مقدمتها «داعش» إذ ليس بالإمكان إقتلاعها من الجذور، وبحيث يتم إسناد المعارضة «المعتدلة» وتوحيدها وتنقية صفوفها من الشوائب الإستخبارية ولتكون قادرة على تعبئة الفراغ في المرحلة الإنتقالية المنشودة هذه وعلى منع إنزلاق هذا البلد العربي ، بعد إسقاط هذا النظام وهو سيسقط حتماً إن عاجلاً وإن آجلاً، نحو التفسخ والإنحلال والمزيد من الحروب «المليشياتية» وعلى ما هو عليه الوضع حالياً في ليبيا وفي الصومال.. وأيضاً.. أيضاً في اليمن الذي كان سعيداً ذات يوم بعيد.