غزة - الكاشف نيوز: حشود من سكان غزة تدافعوا وبعضهم تمركز على الشاطىء في محاولة للحصول على مساعدات ألقيت من الجو، وذلك بحسب كاميرات وثّقت عملية الإنزال الجوي التي قامت بها أربع دول عربية بالمشاركة مع فرنسا، لـ"إغاثة المدنيين" وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس.
ويأتي ذلك بالتزامن مع تحذير أممي من أن ربع سكان غزة على "بعد خطوة واحدة من المجاعة"، ما يطرح تساؤلات حول أسباب الإنزال الجوي ومدى إمكانية تكراره، في ظل أنباء عن ارتباطه بإغلاق مرتقب للمعابر البرية.
وكانت أربع دول عربية وهي "الأردن، والإمارات، ومصر، وقطر"، بالإضافة لفرنسا، قد نفّذت "عملية إنزال جوي" لمساعدات إلى سكان قطاع غزة.
لماذا جوا؟
يرجع المحلل العسكري والاستراتيجي المقيم بالأردن، العقيد ركن متقاعد إسماعيل أبو أيوب، قيام الدول العربية الأربع بعملية الإنزال الجوي إلى منع وتعطيل إسرائيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة عبر البر".
وإذا دخلت المساعدات إلى غزة برا فهي تمر من خلال "أراضي ومعابر يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي"، ويتم تعطيل وصولها لسكان غزة، ما فاقم الأزمة الإنسانية هناك، وفق حديثه لموقع "الحرة".
وعلى مدى الأيام الماضية، تجمع فلسطينيون بشمال غزة في انتظار وصول شاحنات مساعدة، تقول وكالات الأمم المتحدة إنه لم يعد من الممكن تسليمها هناك.
وقال أبو مصطفى، وهو رجل فلسطيني وسط حشد من الناس على الساحل في مدينة غزة: "أنا هنا للحصول على الدقيق أو أي مساعدات لإطعام أطفالي قبل شهر رمضان".
وتابع في مقطع فيديو نشرته وكالة أسوشيتد برس: "لسنا خائفين من الحرب أو أي شيء آخر.. نحتاج فقط إلى الغذاء والماء".
وكان مسؤول كبير في مجال المساعدات بالأمم المتحدة، قد قال أمام مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، إن "ما لا يقل عن 576 ألف شخص في قطاع غزة يمثلون ربع السكان أصبحوا على بعد خطوة واحدة من المجاعة".
"متنا من الجوع".. سكان شمال غزة بانتظار مساعدات "لا تصل"
بينما يزداد جوعهم ويأسهم يوما بعد يوم، يتجمع فلسطينيون بشمال غزة في انتظار وصول شاحنات مساعدة، تقول وكالات الأمم المتحدة إنه لم يعد من الممكن تسليمها هناك.
ومن جانبه، يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أن الإنزال الجوي شمل "معونات اقتصادية وغذائية ودوائية" حتى تصل المساعدات لسكان وسط وشمال قطاع غزة.
والمساعدات "البرية" لم تكن تصل لتلك المناطق، لأن بعد مرورها من رفح، كانت يتم "توقيفها من خلال الجيش الإسرائيلي، أو الاستيلاء عليها من قبل الأهالي"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ومن جهته، يشير المحلل السياسي الإماراتي، محمد تقي، إلى أن "العملية ليست الأولى من نوعها"، وتأتي لمساعدة سكان قطاع غزة، ضمن الجهود الإنسانية المتواصلة لـ"تخفيف معاناة المدنيين الذين يواجهون ظروفا استثنائية حرجة".
ويتحدث لموقع "الحرة" من المستشفى الميداني الإماراتي في غزة، مؤكدا أن "الإنزال الجوي"، سوف يستمر في الفترة القادمة في ظل توجيهات القيادة الإماراتية بتقديم "الدعم اللوجيستي" لسكان القطاع بسبب "الحصار" و"صعوبة وصول المساعدات لبعض المناطق".
أما المحلل السياسي القطري، عبدالله الوذين، فيرى أن الدول العربية التي شاركت بعملية الإنزال الجوي كانت "مضطرة بسبب إغلاق المعابر البرية، وكذلك الحصار البحري الإسرائيلي على القطاع".
وإسرائيل "غير راضية" عن إدخال مساعدات للسكان في قطاع غزة "برا من خلال المعابر الدولية"، وتحاول "تعطيل وصول المساعدات ومنع تدفقها"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
وتستخدم إسرائيل "المساعدات كورقة ضغط على حماس"، لتحرير الرهائن، وهو أمر مرتبط بالمفاوضات الجارية حاليا بين الجانبين، حسبما يشير المحلل السياسي القطري.
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يصف المحلل السياسي الفلسطيني، عادل الغول، المساعدات التي تصل لسكان غزة جوا بأنها "بلا أي جدوى أو أثر على أرض الواقع".
ويرى أن إسرائيل اتخذت قرار بـ"تعطيل وصول المساعدات عبر معبر رفح، وبالتالي "تراكمت شاحنات تحمل آلاف الأطنان من المساعدات على الجانب المصري".
والمساعدات التي يتم إنزالها جوا "لا يمكن أن تغطي 1 بالمئة من احتياجات السكان في غزة"، وبالتالي فهي "بلا فائدة"، بينما الجوع يزداد والأزمة الإنسانية تتصاعد بين المدنيين، وفق الغول.
لكن على جانب أخر، يتحدث المحلل السياسي الإسرائيلي، مردخاي كيدار، عن مشكلة تتعلق بـ"مرور الشاحنات عبر المعابر".
وعناصر حماس يستولون على "شاحنات المساعدات"، ويقومون ببيعها للسكان بـ"أسعار باهظة"، ويتركون السكان "يموتون جوعا" للمتاجرة بالقضية، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويرى أن الدول قررت إرسال المساعدات جوا، لـ"إيصالها بشكل مباشر، للسكان المحتاجين"، وحتى لا يتم الأمر من خلال عناصر حماس.
لماذا سقطت بالبحر؟
ووثقت مقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، ونشرتها شبكة "سي إن إن" الإخبارية، وصحيفة "نيويورك تايمز"، "سقوط بعضا من تلك المساعدات في البحر، وتدافع العشرات عليها.
وأظهرت بعض المقاطع تدافعا كبير ا بين السكان للحصول على أكياس من الغذاء، كما دخل البعض إلى الشاطىء لالتقاط مساعدات ألقاها الجيش الأردني بحضور العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني شخصيا، وذلك من الجو على ساحل القطاع.
وتمت عملية الإنزال الجوي "بدون أجهزة توجيه للمظلات، واضطرار الطائرات للتحليق على ارتفاعات منخفضة"، وفق وكالة "بترا" الأردنية.
ويؤكد أبو أيوب وجود "سلبيات لعمليات إسقاط المساعدات من الجو"، وذلك لعدة أسباب.
ووقع قسم كبير من المساعدات في البحر ولم يستفيد منها السكان في غزة، نظرا للرقعة الجغرافية الصغيرة التي يتم إسقاطها بها، وفق حديث الطيار الحربي السابق.
ويشير إلى "اختلاف سرعة الرياح في المستويات العليا عن مثيلتها على الأرض وكذلك اختلاف الاتجاهات"، ما يؤدي لصعوبة التحكم في اتجاه إسقاط المساعدات.
وهناك أساليب متطورة أكثر لكن الأمر يتطلب تكنولوجيا عالية، لا تمتلكها كل الدول، وذلك من خلال "وجود طيار آلي في المظلة يستطيع توجيهها إلى النقطة المراد إسقاط المساعدات بها"، حسبما يكشف أبو أيوب.
ويرى أن "تلك التكنولوجيا المتطورة لم تكن موجودة في الطائرات المستخدمة لإنزال المساعدات"، وبالتالي سقط قسم كبير منها في البحر.
ما موقف إسرائيل؟
منذ بدء الحرب في غزة، قام قام الجيش الأردني بـ 22 عملية إنزال جوي، وقالت إسرائيل إن العمليات تتم بالتنسيق معها.
ويؤكد ذلك المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليور حياة، لموقع "الحرة"، الذي يقول إن "العملية تمت بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي".
وتوضح وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي لموقع "الحرة"، أن عملية الإنزال تمت بالتعاون مع إسرائيل.
وشملت المساعدات 160 طردا من المواد الغذائية والمعدات الطبية لسكان جنوب قطاع غزة، وخلال اليومين الماضيين إنزال ما يقارب 160 سلة غذائية على حوالي 17 نقطة مختلفة على طول الساحل الجنوبي لقطاع غزة، وفق وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي.
وتم ذلك باستخدام الطائرات الأميركية والمصرية والإماراتية والفرنسية والأردنية، وتضمنت المساعدات مواد غذائية ومعدات طبية مخصصة لسكان جنوب قطاع غزة، بحسب وحدة المتحدثين بالجيش الإسرائيلي.
من يعرقل "المساعدات البرية"؟
يشدد كيدار على أن إسرائيل تريد "التدقيق والتأكد من عدم وجود أسلحة تحت المساعدات"، وتصر على "فحص كل شاحنة"، لكن "مصر لا تريد أن يتم ذلك على الأراضي المصرية".
وفي إسرائيل يوجد سكان "لا يريدون مرور الشاحنات من خلال الأراضي الإسرائيلية لقطاع غزة، طالما هناك مختطفين إسرائيليين"، ولذلك فعملية وصول المساعدات "برا معقدة جدا"، على حد تعبير المحلل السياسي الإسرائيلي.
ويؤكد أن إسرائيل تفضل وصول المساعدات للسكان عبر "الجو"، لأنها "تثق بأن الحكومات لا ترسل السلاح لحماس"، معتبرا أن المشكلة تتعلق بـ"الأرض وليس السماء".
والمساعدات التي تأتي عبر البر، بمثابة "مشكلة كبير بالنسبة لإسرائيل خاصة أن جاءت عبر مصر لأنها (قد تحمل أسلحة)"، وفق المحلل السياسي الإسرائيلي.
لكن سمير فرج، ينفي ذلك ويقول:" جميع الشاحنات التي تخرج من مصر يتم تدقيقها ومراجعتها بشكل كامل".
وإذا كان هذا الطرح "حقيقيا" فكان من الأولى إيصال الأسلحة بالمظلات التي لا تخضع لتدقيق الجانب الإسرائيلي، وفق الخبير العسكري المصري.
ومن جانبه يرى الوذين أن الجانب الإسرائيلي يحاول "تعطيل المساعدات البرية، بتعمده إغلاق المعابر"، واصفا ذلك بـ"التعنت".
والدول العربية تتحمل مسؤولية ذلك أيضا، لكن مصر والأردن" تتحملان المسؤولية الأكبر" بحكم وجود معابر ومنافذ حدودية مع إسرائيل، وفق المحلل السياسي القطري.
ويشير إلى أن الدول العربية على الجانب الأخر من المعابر "مقصرة في الضغط على الجانب الإسرائيلي"، في إشارة لمصر والأردن.
تمهيد لـ"إغلاق المعابر"؟
يرى الغول، أن الإسقاط الجوي للمساعدات بمثابة "تمهيد لإقفال المعابر بشكل كامل".
وإذا لم يحدث ضغط عربي ودولي من أجل ادخال المساعدات عبر معبر رفح، وتوزيعها بمعرفة وكالة "الأونروا"، فسوف نشاهد الكثير من الناس "موتى من الجوع"، وفق المحلل السياسي الفلسطيني.
ويقول إن "إسرائيل تقوم بإدخال مساعدات لشمال قطاع غزة عن طريق (عائلات وقبائل) وبالتالي تترك السكان المحاصرين يأكلون بعضهم البعض".
لكن المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية ينفي اتخاذ إسرائيل أي قرار بإغلاق المعابر.
ويشير حياة إلى أن إسرائيل تنظر في عدة "خيارات لإيصال المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في غزة"، وضمان الا تمر المساعدات عبر "الأونروا" بسبب علاقتها مع حركة حماس.
ومن جانبه، ينفي سمير فرج وجود "أي نية لدى مصر في إغلاق معبر رفح".
ويقول:" مصر لم ولن تغلق معبر رفح، والجانب المصري من المعبر مفتوح دائما".
ومصر ترسل 80 شاحنة يوميا تحمل مئات الأطنان للسكان، من خلال المعبر، لتخفيف "معاناة شعب غزة"، لكن السلطات الإسرائيلية تعطل وصولها للسكان بهدف "الضغط على حماس"، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي المصري.
واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق في السابع من أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل "القضاء على الحركة"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما تسبب بمقتل نحو 30 ألف فلسطيني، معظمهم مدنيون ومن النساء والأطفال، وإصابة 70325، وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحماس، الأربعاء.