أخر الأخبار
صناعة الغباء!
صناعة الغباء!

كيف تتم صناعة الغباء؟ مجموعة من العلماء وضعوا خمسة قرود في قفص واحد، وفي وسط القفص يوجد سلم وفي أعلى السلم هناك بعض الموز، في كل مرة يطلع أحد القرود لأخذ الموز يرش العلماء باقي القرود بالماء المغلي، بعد فترة بسيطة أصبح كل قرد يطلع لأخذ الموز, يقوم الباقون بمنعه و ضربه حتى لا يُرشون بالماء!

بعد مدة من الوقت لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز على الرغم من كل الإغراءات خوفا من الماء، بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة ويضعوا مكانه قردا جديدا، وأول شيء كان يقوم به القرد الجديد أنه يصعد السلم ليأخذ الموز، ولكن فورا يقوم الأربعة الباقون لضربه وإجباره على النزول!

بعد عدة مرات من الضرب يفهم القرد الجديد بأن عليه أن لا يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب!

ثم قام العلماء أيضا بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد، وحل به ما حل بالقرد البديل الأول، حتى أن القرد البديل الأول شارك زملاءه بالضرب وهو لا يدري لماذا يضرب، وهكذا حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة، حتى صار في القفص خمسة قرود لم يرش عليهم ماء مغلي أبدا، ومع ذلك يضربون أي قرد تسول له نفسه صعود السلم بدون أن يعرفوا ما السبب!

ولو سألنا القرود لماذا يضربون القرد الذي يصعد السلم؟

أكيد سيكون الجواب :

لا ندري هذا ما وجدنا عليه آباءنا!

التجربة العلمية لا تحتاج لكثير من التعليق، ولكنها تأخذنا على الفور إلى مجتمع البشر، وكيف يتم صناعة غبائهم، وخوفهم، وكيف يتم «تعتيق» الذل في أعماقهم كي يُقادوا إلى حتفهم، وهم لا يدرون أنهم يغذون السير له دون أن يدروا ما السبب!

ليس هذا فحسبن بل تنشأ «تقاليد» وعادات للامتثال والاستسلام لـ «ما وجدنا عليه آباؤنا» وتتوالد من هذه الثقافة أمثال و»حكم!» ومأثورات تكرس الذل، والأوهام، ولا أدل على هذا من الإنجاز الذي حققته المقاومة في غزة في العدوان الصهيوني الأخير، حيث يرفض العقل الجمعي إياه التصديق أن بوسع فئة قليلة من البشر، تسليحها متواضع، أن تجدع أنف رابع أقوى جيش في العالم، وتوجعه فعلا، وتسبب له أزمة حقيقية، تدفع استراتيجييه ومختبرات التفكير فيه لإعادة النظر في كل المسلمات السابقة، التي شكلت عقيدته القتالية لعقود خلت!

إن سنوات طويلة من الشعور باللاجدوى من مواجهة العدو، واستحالة مقارعته، ولدت شعورا عاما باستحالة الانتصار عليه، أو إيلامه، لذا سارع كثيرون من أعرابنا إلى استنكار تسمية ما جرى في غزة بالانتصار، واستكثروا على تلك الثلة من المقاتلين أن تصمد أمام أعتى قوة في المنطقة العربية، ناهيك عن الاعتقاد المستوطن في لاوعي هؤلاء أن أي انتصار على العدو سيجر انتقاما مروعا من قبله، ولهذا فلا بد من الركون إلى الاستسلام وإيثار السلامة المنقوعة بالذل، كما حصل مع القرود، في تجربة صناعة الغباء، وقد آن لهؤلاء أن يعتبروا من تلك التجربة فيفيقوا منها ويتطلعوا إلى المستقبل!