لا يحب الذين يقبلون الداعشية في دواخلهم الدفاع عنها بطريقة «المشارعة» الكلامية التي تنتهي «بطوشة»! لذلك فهم يحاولون جعل داعش نوعاً من «فهم الاسلام»! ويذهب بعضهم الى ابن تيمية, ومحمد عبدالوهاب وسيد قطب ليجعل من داعش «فرقة اسلامية» بحاجة الى «دراسة» وتتطلب محاربتها تربية دينية تنهي بيئة التطرف وحاضنة العنف.. الذي اصبح ارهاباً!
هذا الدفاع غير المباشر عن داعش, يذهب احياناً لتبرير ارهابها, بالقول: وماذا كان يحصل في غزة من دمار وخراب؟! وكأن هذه تبرر تلك, مع أن الجميع يعرف أن هناك تماثلاً بين الصهيونية والداعشية فكلاهما توسل بالدين, وكلاهما يرفض الآخر, وكلاهما يتلذذ بالدم والحقد والدمار!
ومن الدفاع غير المباشر, احتلال الولايات المتحدة للعراق والقسوة في فرض الاحتلال, وفكفكة الدولة العراقية الى مذاهب وعنصريات, وعدم الاهتمام بما كان يجري في سوريا خلال سنوات, علماً أن طرد الاحتلال لا يكون إلا بالعودة الى مفهوم الدولة المدنية التي ترفض دستور المحاصصة المذهبية والعنصرية.. وليس اقامة دولة داعش بالشكل الذي اقيمت به في الموصل، وطرد سكان المنطقة الواسعة.. وهم الطيف الحضاري للمجتمع المتجانس المؤلف من السُنّة، والشيعة، الأكراد، والمسيحيين والايزيديين،والتركمان!
ليست داعش هي الرد عل تفكك العراق واستعباده فداعش هي نتيجة شائهة لوضع العراق خارج دائرة الحياة القومية، فالاحتلال الاميركي ادى دوره، لكن المشكل هو الاحتلال الايراني الذي يحاول الامساك بشيعة العراق.. كالامساك بشيعة لبنان، وجعل الدولة تنفذ ارادة الاجنبي بهيمنة طائفة على بقية الطوائف!
وداعش لمن لا يريد ان يرى حجم فظائع الاحتلال الاميركي-الايراني، تتوسل انصاف الطائفة السُنيّة فتعيد انتاج توسل انصاف الطائفة الشيعية!
لا يمكن لإنسان متحضر، يريد ان يعيش في دولة حديثة تحترم قيم الحرية والكرامة، ان يدافع عن داعش بهذا الشكل غير المباشر، وان يجعل منها «وجهة نظر» قابلة للنقاش!!. وكأننا نتحدث عن مشروع نهضوي عقائدي يستدعي النقاش والنظريات، وقياس وحدة المجتمعات، في حين اننا نعرف كلنا ان داعش هي قضية امنية تستدعي اعلى درجات الذكاء الاستخباري واعلى درجات المعالجة الامنية.
لم يكن الخوارج في التاريخ الاسلامي قد قدموا حلا للاستقطاب الاموي-العلوي، وللحرب الاهلية التي صاحبته طيلة تسعين عاما من خلافة بني امية، ولم يكونوا بكافة اشكالهم بعد ذلك حلاً للصراع العباسي-العلوي، مثلما لم يكن الشعوبيون هم الحل للصراع الفارسي-العربي، وبعد ذلك للصراع التركي العربي، وقد لعب «الحشاشون» دورا من اخطر ادوار الارهاب اذ تصدوا لكيانات وطنية كدولة نور الدين وعماد زنكي، ثم للايوبيين في صراعهم مع الفرنجة، فقد تم اغتيال عماد الدين زنكي وهو يقاتل الفرنجة، وحاولوا قتل صلاح الدين ثلاث محاولات فشلت رحمة بالعرب، ورحمة بجيش الخلاص من غزوة الفرنجة.
ونقول: داعش حالة امنية، واذا كنّا نوافق على التحالف ضدها، فإننا لا نوافق على ان الحرب الجوية هي الكفيلة بردعها. فالدولة العربية في العراق وسوريا هي وحدها القادرة على هذه الحرب. واذا اراد العرب تقديم العون للدولتين العربيتين فذلك غاية المنى والطلب والمشكل: أن العراق وسوريا ليس فيهما.. دولة!