لم يكن مستغرباً أن ينفجر الخلاف بين حركتي "فتح" و"حماس" بهذه الحدة على خلفية تكليف الرئيس الفلسطيني محمود عباس مستشاره الاقتصادي محمد مصطفى بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة.
وبالأساس لم يكن مستغرباً أن تحمل "حماس" على الرئيس الفلسطيني بسبب القرار بعدما بدا لها أن السلطة اتخذت قراراً سياسياً بالغ الدقة في سياق تحديد ملامح اليوم التالي في غزة والضفة. ومن المعلوم أن اليوم التالي بعد أن تنتهي حرب غزة سيكون مختلفاً عن مرحلة ما قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٣. فالحقائق على الأرض ومهما حصل في الأسابيع المقبلة لا تسمح ببقاء السلطة في غزة بيد حركة "حماس". وإذا كان من المستحيل اقتلاع "حماس" من المجتمع الفلسطيني، فإنه من المستحيل أن تستمر الحركة في إدارة شؤون مليونين ونصف مليون مواطن فلسطيني أقل ما يقال إن حياتهم انقلبت رأساً على عقب جراء الحملة العسكرية التدميرية التي شنتها إسرائيل رداً على عملية "طوفان الأقصى".
والمفاوضات الفلسطينية – الفلسطينية لا تبشر بإمكانية بناء موقف وطني موحد بين طرفي المعادلة في القطاع والضفة. لكن ما هو أهم من ذلك أن الواقع المأسوي في غزة يحتاج إلى قرارات صعبة وفورية تحضيراً لمرحلة ما بعد توقف الحرب، إذ إن "حماس" غير قادرة على مجابهة التحديات التي سيواجهها المواطنون الذين جرى اقتلاعهم من بيوتهم ومدنهم في غزة ليرموا في العراء بانتظار المساعدات الإنسانية من الجو أو من البحر. وتخطئ حركة "حماس" في خوض حرب سلطة ضد الشرعية الفلسطينية التي سبق لها أن قامت عام ٢٠٠٧ بانقلاب دموي ضدها لإقصائها عن قطاع غزة.
واليوم وبعيداً عن أي تقييم لعملية "طوفان الأقصى" والقرار الذي اتخذته حركة "حماس" وتبعاته، لم يعد من الجائز التقاتل على فتات السلطة. وهنا مسؤولية "حماس" التاريخية أن تضع في الحسبان استحالة بقاء السلطة في غزة بيدها مهما فعلت. وشرعيتها المقاوِمة والشعبية لن تكفيها لكي تواجه المرحلة الأخيرة من الحملة البرية الإسرائيلية على مدينة رفح.
ومن يعاين الواقع على الأرض في القطاع يكتشف بسهولة أن مليونين ونصف المليون بحاجة ماسة لحلول حياتية ومعيشية لا لحلول سياسية أو سلطوية. وهنا قد يكون تشكيل حكومة فلسطينية غير فصائلية تمتلك الشرعية في عيون المجتمع الدولي باعتبارها تعكس شرعية السلطة الوطنية الفلسطينية المعترف بها دولياً، أفضل الحلول المرحلية لمواجهة استحقاقات الأسابيع الأخيرة من حرب غزة، ومرحلة ما بعد الحرب التي ستكون أكثر صعوبة على المواطنين من الحرب نفسها.
نحن لا نريد كمراقبين أن ندخل في سجالات "فتح" و"حماس". فالطرفان يتحملان مسؤوليات كبيرة عما آلت إليه الأوضاع الفلسطينية الداخلية. والطرفان أخفقا في صوغ عقد وطني موحد فيما كان الإسرائيليون يمضون في حربهم الشعواء لابتلاع الأرض وطرد الأهل وتعزيز الانقسامات بين القوى الوطنية الفلسطينية.
ولعل تقاطع المصالح المؤقتة بين إسرائيل وكل من السلطة الوطنية و"حماس" بشكل منفصل، هو ما سهل تعميق الهوة بين طرفي المعادلة السياسية والوطنية. لذلك نقول إن السلطة الوطنية الفلسطينية مدعوة لإدراك استحالة شطب "حماس" من المعادلة. لكن ما هو أهم أن "حماس"، ولا سيما "حماس" في غزة، مدعوة إلى أخذ العلم أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله. وأن محاولة شطب الشرعية الفلسطينية مستحيلة، خصوصاً بعد الكارثة التي حلت في أعقاب "طوفان الأقصى".