القاهرة - الكاشف نيوز: تبدو الحكومة الإسرائيلية مصرة على تنفيذ عملية برية موسعة في رفح (جنوبي قطاع غزة)، ويتجلى إصرارها في تصريحات مسؤوليها، وفي الأنباء التي تتناقلها وسائل إعلام عبرية وعالمية، على رغم تحذيرات وجهتها أطراف دولية عدة، والمخاطر التي يمكن أن تنتج عن اجتياح المدينة الفلسطينية المتاخمة للحدود المصرية، والتي يحتمي بها قرابة مليوني فلسطيني.
ومن بين الأطراف التي حذرت إسرائيل من مغبة تلك العملية: الولايات المتحدة، ومصر، وقطر. والدول الثلاث تقود وساطة بين إسرائيل وحركة "حماس" لوقف الحرب التي اشتعلت بين الجانبين في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، ولإيجاد اتفاق لإطلاق الرهائن والمحتجزين.
ويؤكد محللون أنه في حالة قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته - التي تتكون من أحزاب يمينية متطرفة - بتنفيذ العملية، سوف تتزايد التوترات بين حكومته وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وستتضاعف حدة التوتر بين إسرائيل ومصر التي حذر رئيسها عبد الفتاح السيسي الإسرائيليين أكثر من مرة من اجتياح رفح (الفلسطينية)، أو دفع مواطني غزة للنزوح إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.
وقد جدد الرئيس المصري تحذيراته، الأربعاء، خلال استقباله وفداً من مجلس النواب الأميركي برئاسة النائب الجمهوري أوغست فلوغر، رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب، وعضوية عدد من نواب الكونغرس بالحزبين الجمهوري والديموقراطي. وأكد الرئيس السيسي "ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته في الضغط من أجل الوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار، ومنع تصعيد العمليات العسكرية في رفح الفلسطينية، مجدداً رفض مصر التام لأية مساعي تهدف لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم".
ومع أن وسائل إعلام عبرية نشرت، أخيراً، تقارير تفيد بأن إسرائيل حددت الموعد الذي سوف تقوم فيه بعملية عسكرية في رفح بين شهري نيسان (أبريل) وأيار (مايو) المقبلين، وأن "القناة 12" العبرية نقلت عن نتنياهو أنه "أمر بشراء 40 ألف خيمة من الصين لنصبها في غزة تمهيداً للعملية البرية في رفح"، لا تزال ثمة تساؤلات عن مدى جدية إسرائيل في تنفيذ هذه العملية التي يصفها بعض المحللين بأنها "مغامرة" أو "مستنقع كبير يصعب الخروج منه إلا بهزيمة منكرة لإسرائيل"، وعمّا إذا كان لرئيس الوزراء الإسرائيلي القدرة على خوض هذه "المقامرة" من أجل إنقاذ مستقبله السياسي المهدد بالخطر.
"هل اتخذ القرار حقا؟"
يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي: "في تقديري أن القرار بتنفيذ هذه العملية لم يتخذ بعد في إسرائيل، على الرغم من أن نتنياهو قال إن الجيش أعد خطة لاجتياح رفح وعرضت على مجلس الحرب، لكنني أتصور أن القرار السياسي الخاص بشكل الهجوم، وتوقيته، والمدة التي سوف يستغرقها، لم يتخذ بعد".
وأضاف الدبلوماسي المصري الذي سبق أن ترأس إدارة إسرائيل في وزارة الخارجية المصرية: "لقد وضع نتنياهو هدفاً لهذا الاجتياح، وهو القضاء على الكتائب الأربع المتبقية من حماس، لكن كما رأينا خلال الأشهر الخمسة الماضية فإنه على رغم وحشية القصف الإسرائيلي على غزة لم ينجح في القضاء على الحركة".
ويرى السفير هريدي أن "نتنياهو قد يفتح مستنقعاً كبيراً يغوص فيه إذا قرر تنفيذ عملية برية في رفح، ولكنه لن يستطيع الخروج منه إلا بهزيمة منكرة، لهذا أعتقد أن علينا أن نراقب: هل يستمر الإسرائيليون في الوقوف أمام الإدارة الأميركية ويعلنون عن تصميهم على القضاء على ما تبقى من كتائب حماس أم لا؟".
ويعتقد مدير إدارة إسرائيل الأسبق أن "نتنياهو يحاول كسب الوقت، ولكن بعد امتناع واشنطن عن نقض القرار 2728 (الخاص بوقف إطلاق النار في غزة)، أرى أنه بات يواجه واقعاً جديداً يمكن خلاله أن تكون الولايات المتحدة أحد العناصر التي تقف أمام إسرائيل، وهذا أمر لا يستطيع أن يتحمله نتنياهو أمام الرأي العام الإسرائيلي وأمام مجلس الحرب الإسرائيلي".
ويرى السفير هريدي أن "الأمر سوف يتوقف على ما يتوصل إليه وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف غالانت) في اجتماعاته الحالية في واشنطن، لهذا أنا أنتظر ما سوف يعود به، وحينذاك يمكن تقييم الموقف بصورة أوضح".
"حسابات معقدة"
من جانبه، يقول وكيل الاستخبارات العامة المصرية السابق اللواء محمد رشاد إن "نتنياهو يتصور أن اجتياح إسرائيل لرفح سيحقق له الأهداف التي فشل في تحقيقها خلال الأشهر الماضية، لكنه في الحقيقة سيقع في ورطة شديدة، وسيواجه مشكلات مع مصر، ربما تتطور إلى تعليق اتفاقية كامب ديفيد".
وأشار اللواء رشاد إلى أن "قرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار يعد ضربة قوية لحكومة نتنياهو ومخططاته لاجتياح رفح، وبعد هذا القرار يجب أن يفكر الإسرائيليون في العديد من الحسابات المعقدة قبل الإقدام على تنفيذ العملية".
وأكد المسؤول الاستخباراتي السابق أنه "رغم هذه الحسابات المعقدة وخطورة الموقف، والمشاكل التي قد يسببها الاجتياح مع الولايات المتحدة ومصر وأطراف أخرى، إلا أن نتنياهو بات يضرب عرض الحائط بأي شيء، لأن مستقبله السياسي أصبح مهدداً، لهذا فهو يبحث عن أي شيء يمكن أن يعطيه أملاً في فرصة لإنقاذ مستقبله السياسي".
وأضاف: "لو حدث اجتياح لرفح فإن المليوني فلسطيني الموجودين في تلك المنطقة لن يجدوا طريقاً سوى النزوح صوب الحدود المصرية، ومنها إلى سيناء، وهذا سوف يسبب مشكلة كبيرة جداً لإسرائيل مع مصر".
ويتوقع أنه "مع ما يقوم به نتنياهو وحكومته من سلوكيات تجافي المنطق، فإن المجتمع الإسرائيلي سوف يشهد هزة كبيرة للغاية بعد انتهاء الحرب، ربما تتجاوز قوتها ما شهده في حرب 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973، فقد فشل نتنياهو في توقع هجوم 7 تشرين الأول الماضي، وأخفق في تحقيق أهدافه من الحرب، واجتياحه لرفح لن يحقق شيئاً، لكنه سوف يثير العديد من المشكلات مع مصر والولايات المتحدة وأطراف دولية أخرى".
"ورقة ضغط وأفق زمني"
الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور سعيد عكاشة يرى أن "إسرائيل تستخدم إعلانها المتكرر عن اجتياح رفح بطريقتين، الأولى لممارسة ضغوط على حماس، وكذلك على الوسطاء في عملية التفاوض".
ويضيف في حديثه: "هذه الضغوط تتضمن رسالة، وهي أنه "إذا كنتم ترغبون في منع كارثة إنسانية كبيرة في رفح، فعليكم ممارسة المزيد من الضغوط على حماس". كما أن نتنياهو يضع أفقاً زمنياً، وإذا فشلت هذه الضغوط خلال فترة معينة، فإنه من المحتمل أن ينفذ عملية الاجتياح".
ويفسر عكاشة توقعه هذا بأن "الولايات المتحدة توافق على العملية، ولكنها تضع لها شروطاً محددة، مثل أن يتم تهجير سكان غزة إلى مناطق آمنة، وأن تكون العملية محدودة، وثمة آراء داخل الولايات المتحدة أن تلك العملية يمكن أن تكون نوعية، وليست غزواً برياً كاملاً".
ويلفت إلى أن "الخبرات السابقة تقول إنه حين يتعلق الأمر بأمنهم فإن الإسرائيليين لا يستمعون إلى أحد، وخصوصاً أن العملية تمت الموافقة عليها من مجلس وزرائهم والجيش قد وضع خططاً لها. لهذا يجب أن ننظر إلى تصريحاتهم بشكل جدي".
وبينما يؤكد الخبير في الشأن الإسرائيلي أن الدولة العبرية سوف تقوم بما ترى أنه في صالح أمنها، يقول "بلا شك فإنه في المقابل لو حدثت هذه العملية رغم التحذيرات، فإن لدى مصر أوراقاً قوية سوف تستخدمها تدريجياً، وقد يصل الأمر إلى تجميد معاهدة السلام إذا اضطرت للتصعيد ولم تستجب حكومة نتنياهو للضغوط الأولية".