كان الدكتور إيلي سالم، وزير خارجية لبنان في عهد الرئيس أمين الجميل أوائل الثمانينات. قبلها كان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية لسنوات عدّة. وبعد الوزارة عاد إلى الأكاديميا رئيساً لجامعة البلمند، إلى أن تقاعد لدى بلوغه التسعين منذ أربع سنوات.
في عالمه الجديد هذا عاد إلى عالمه القديم؛ القرية والفلاحة والاعتناء بإرث الوالدين، وما تركاه من أرزاق لتسعة أبناء يحملون جميعاً شهادة الدكتوراه، وإكراماً للرجل الذي حثهم على العلم، أقاموا له تمثالاً نصفياً ضخماً في حديقة المنزل، ويبدو شبه الأب مع الأبناء كاملاً.
تستطيع طبعاً مقارنة المعالم بين التمثال والحقيقة. ولكن كيف لك أن تعرف إن كان الأب أيضاً كان يضحك مثلهم بين كل كلمة وكلمة، ويحوّل المجالس إلى زئير من الضحكات وسيل من النكات. ومن ثم فجأة، يخيم صمت إذا ما بدأ الرجل، الذي وضع «اتفاق 17 أيار» الشهير، في التحدث عن مصير لبنان ومحادثاته إلى جانب الرئيس الجميل مع الرئيس حافظ الأسد، وكيف تشاجر مع الوزير فاروق الشرع، «وبطحه أرضاً».
تقدم الزميلة نوال نصر كل أسبوع في «نداء الوطن» سيرة، أو «بورتريه»، لشخصية لبنانية معروفة. السبت الماضي كانت تلك المتعة الأسبوعية رحلة في عالم إيلي سالم.
تحدث عن كتابه الجديد، وعن مشاريعه المقبلة، وظهر في الصور منتصب القامة يتمشى في الحديقة مثل أشجارها.
لا أتحدث مرة إلى شقيقه الدكتور فيليب، إلا وأعثر على «خبرية» عن شقيقه الأكبر. وعندما يقول الشقيق الأصغر: «صاحبك»؛ يعني أنه سيروي خبراً مضحكاً، عن وزير الخارجية الذي أضحك رونالد ريغان وحافظ الأسد.
بعد صدور «نداء الوطن» كنت أتحدث إلى الشقيق الطبيب عندما انفجر ضاحكاً. فقلت في نفسي حان وقت أخبار الضيعة ووزيرها. قال: «هل رأيت صور صاحبك منتصباً مثل أعمدة بعلبك، يتمشى في جزمة ضابط في المدرسة الحربية؟». أجبت بنعم. قال: تدري أنه أصبح، ما شاء الله، في الرابعة والتسعين!
في المساء اتصلت «بصاحبنا» وقبل التحية والسلام، وقبل التعليق على المقابلة، قلت له بكل جديّة: «هل أستطيع أن أستعير منك الجزمة السوداء التي شاهدناها في الصور؟». وبكل جديّة أجاب: «الرجل الذي يصنع لي هذه الجزم إسكافي في طرابلس. وقد أوصيت لديه قبل شهر على ست جزمات، تحسباً لأن يموت ويقطعنا. وبما أن أنفك في حجم أنفي، فلا بد أن قياسك مثل قياسي. تفضل شرّفنا عالضيعة وخذ الجزمة التي تعجبك».