في انتخابات عام 2019 المحلية، فاز حزب «العدالة والتنمية» التركي بنسبة 44 في المائة من أصوات الناخبين. في الانتخابات التي جرت يوم الأحد الماضي لم تتجاوز نسبة ما حصل عليه من أصوات 35 في المائة. إسطنبول وأنقرة وأزمير وأنتاليا، أربع مدن كبيرة أضحت تحت سيطرة «الحزب الشعبي الجمهوري» المعارض. من كان يتوقع أن يأتي يوم يتذوق فيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مذاق طعم كأس الهزيمة، التي كان يذيقها لخصومه طوال عقدين من الزمن؟ وهل الهزيمة بداية النهاية للرئيس إردوغان؟
رغم الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم، في غزة وأوكرانيا والسودان وتايوان، ومسلسل الانتخابات الأميركية الطويل والمُعاد، وسيطرتها على وسائل الإعلام الدولية، فإن الانتخابات المحلية التركية، فرضت حضورها، وحظيت بما تستحق من اهتمام.
قبل أقل من عام مضى، تمكّن الرئيس إردوغان من قيادة ائتلاف حزبي تحت مظلة حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، وإلحاق الهزيمة بائتلاف معارض مكون من 6 أحزاب. ذلك الفوز ضَمن للرئيس إردوغان الحفاظ على كرسيه في القصر الرئاسي لمدة 5 سنوات أخرى، رغم أنه تزامن مع ظروف اقتصادية صعبة، مرفوقة بما خلفته الهزة الأرضية من تداعيات سلبية، نتيجة تباطؤ الحكومة في التحرك لمواجهة الكارثة. وكانت غالبية توقعات المراقبين الأتراك والأجانب تلتقي حول احتمال هزيمة الرئيس إردوغان. لكنّه خرج منها غانماً ظافراً.
الآن، وفي ظروف اقتصادية ليست أفضل، ونسبة تضخم تصل إلى 70 في المائة، وغلاء مستفحل، اختار الناخبون الأتراك إرسال رسالة إلى الرئيس التركي وقادة حزبه، وحلفائه في الأحزاب الأخرى. الرسالة لا تحتاج إلى كبير عناء في فهمها. وباختصار، حملت الرسالة إنذاراً نهائياً.
الرئيس إردوغان أراد من الانتخابات المحلية أن تكون استفتاءً شعبياً على حكمه. ولهذا السبب قاد الحملات الانتخابية مع مرشحي حزبه، وسخّر لها الآلة الإعلامية الحكومية. وحين قال الناخبون كلمتهم، وفصلوا في الأمر لم يكن أمام الرئيس إردوغان، بعد إعلان النتائج، سوى الظهور في أنقرة، والاعتراف بالهزيمة، وتطييب خواطر أنصاره، بمزيد من الوعود بالعمل على تجاوز أزمة اقتصادية خانقة، لم تُجدِ معها كل محاولاته في حلحلتها، والخروج من نفقها.
المعلقون السياسيون الأتراك والغربيون، على السواء، يعزون الفوز الرئاسي الذي حققه إردوغان في الأشهر الماضية إلى سوء اختيار أحزاب المعارضة التركية مرشحها الرئاسي، باختيارهم مرشحاً لا يملك مقومات النجاح، وسبق لإردوغان هزيمته مرتين. المعلق التركي جونول تول، يؤكد أن «هزيمة يوم الأحد الماضي، أوضحت أن إردوغان لم يفز بانتخابات العام الماضي الرئاسية، بل إن المعارضة هي مَن خسرتها».
الهزيمة الانتخابية للرئيس إردوغان تضع علامات استفهام كبيرة أمام خطته الطموحة للبقاء في القصر الرئاسي، عبر اقتفاء خطوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتعديل نصوص الدستور، مما يتيح له الترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية عام 2028، وليكون رئيساً لتركيا مدى الحياة. ومنذ الأحد الماضي وصاعداً، يتطلب واقع الحال من الرئيس إردوغان مراجعة حساباته جيداً، كما يفعل في العادة تاجر موشك على الإفلاس.
ويبدو مما حدث، رغم قصر المسافة الزمنية، أن أحزاب المعارضة التركية قد استفادت من درس الهزيمة في الانتخابات الرئاسية، وأدركت أسباب فشلها. وساعدها على ذلك، سوء الأحوال الاقتصادية، واستفحال الغلاء، وإخفاق الحكومة في الإيفاء بوعودها. وبدا وكأن الطريق الباقية والوحيدة للنجاة من الغرق تتمثل في تغيير الربّان، وتسليم الدفّة لغيره. وغيره عديدون. وأبرزهم مرشح طموح اسمه أكرم إمام أوغلو، عمدة مدينة إسطنبول، لفت أنظار المراقبين والناخبين إليه، منذ أن فاز في انتخابات سابقة بعمودية المدينة. وازداد نجمه بروزاً في انتخابات الأحد الماضي. المشكلة أن الربّان العجوز لا يرى حاجة إلى تسليم الدفّة، ويعتقد بأن في مقدوره، هزيمة العواصف كما فعل طيلة عقدين من الزمن، والوصول بالمركب إلى مرفأ آمن!